Hakadha Takallam Zaradusht
هكذا تكلم زرادشت: كتاب للكل ولا لأحد
Nau'ikan
أعيروني أسماعكم لأخاطبكم عن موت الشعوب: ليست الحكومة إلا أبرد مسخ بين المسوخ الباردة، فهي تكذب بكل رصانة؛ إذ تقول: «أنا الحكومة أنا الشعب.»
إياكم وتصديق ما تقول، فما كون الشعوب إلا المبدعون الذين نشروا الإيمان والمحبة، فأتوا بأجل خدمة للحياة، وما الناصبون الأشراك للجموع الغفيرة إلا من يهدمون كيانها؛ ليشيدوا الحكومات على أنقاضها، ويعلقوا نصلا قاطعا فوق رأس الشعب، وينصبوا مئات الشهوات أمام عينه.
إن الشعب، حيث بقي له مرتع على الأرض، لا يفهم ما هي الحكومة، بل هو ينفر منها كما ينفر من العين الساحرة، ويراها شذوذا هادما للشرائع والتقاليد، وإليكم الدليل: إن لكل شعب بيانه عن الخير والشر، وجيرة هذا الشعب لا تفهم هذا البيان الذي أوجده لنفسه محددا به شرائعه وتقاليده، على حين أن الحكومة تكذب في جميع تعابيرها عن الخير والشر، فليس ما تقوله إلا كذبا، وليس ما تملكه إلا نتاج سرقتها واختلاسها.
إن كل ما للحكومة مزيف، فهي تنهش بأسنان مستعارة، وأحشاؤها مختلقة اختلاقا، وما شعارها إلا: «البيان المبهم المشوش عن الخير والشر» فهي تتجه به نحو الفناء، وتقوم بنشره بدعوة صريحة للمنذرين بالموت.
إن عدد من يدخلون الدنيا قد تجاوز الحد، وما أوجدت الحكومة إلا لخدمة الفضوليين الدخلاء على الحياة. انظروا إلى هذه الحكومة كيف تجتذب إليها الدخلاء فتضمهم إلى صدرها وتشبعهم عناقا وتقبيلا. اسمعوها تهدر قائلة: ليس أعظم مني على وجه الغبراء، فأنا يد الألوهية المنظمة.
وعندما تهتف هذا الهتاف، تتهاوى الركاب جاثية، وبين الراكعين كثير من غير طوال الآذان وقصار النظر.
إن هذه الأكاذيب تجد مصدقين لها، وا أسفاه، حتى بينكم أنتم، يا من تجول فيكم النفوس الأبية؛ لأن الحكومة تعرف أن تدغدغ قلوبكم الطافحة بالمكارم الطامحة إلى الجود، إنها لتخترق سرائركم، أنتم أيضا، يا من تغلبتم على الألوهية القديمة، فهي تعرف أنكم تعبتم من الكفاح فتستخدم ملالكم لعبادة الصنم الجديد.
إنه لصنم يتمنى أن يحيط به الأبطال وفضلاء الرجال، إنه لمسخ بارد يريد أن يدفأ بشمس الضمائر المشعة المشرقة.
إنه ليمنحكم كل شيء إذا أنتم سجدتم له. فهذا الصنم الجديد يشتري لمعان فضائلكم وما في لفتاتكم من عزة وكرامة. إنه في حاجة إليكم؛ ليجتذب إليه العدد الفائض من الدخلاء على الحياة، فهنالك البرج الجهنمي، وهنالك جياد الموت تفرقع بعددها حاملة شارات المراتب والأمجاد، أجل ذلك هو اختراع الموت أتى به للجموع ليحصدها حصدا وهو يباهي بأنه هو الحياة، والمنذرون بالموت يرون بفعلته خير خدمة لمبادئهم.
حيث يكرع الجميع السموم ويضيع كل إنسان نفسه صالحا كان أو طالحا، هنالك تقوم الحكومة؛ لأنها تسود كل مكان يوصف فيه الانتحار البطيء بالحياة.
Shafi da ba'a sani ba