Hakadha Takallam Zaradusht
هكذا تكلم زرادشت: كتاب للكل ولا لأحد
Nau'ikan
عند هذا أنهى زارا خطابه أو بالحري تمهيد خطابه فتعالت أصوات التهليل من الحشد وهو يقول: إلينا بهذا الرجل الأخير يا زارا، اجعلنا على مثال أناسي الزمن الأخير فقد تخلينا لك عن الإنسان المتفوق.
ولكن زارا وجم أمام هذا الحشد يسوده مثل هذا الروح فاستولى الحزن عليه وقال في نفسه: إنهم لا يفهمون كلامي، فلست بالصوت الذي تتطلبه هذه الأسماع.
لقد عشت طويلا في هذه الجبال وأنصت طويلا إلى هدير الغدران وحفيف الأشجار، فأنا أكلم هؤلاء الناس الآن كأنني أخاطب رعاة الماعز.
إن روحي صافية تغمرها الأنوار كما تغمر القمم تباشير الصباح، ولكنهم يحسون بالصقيع في قلبي ويحسبونني مهرجا يأتيهم بالمفجع من النكات.
إنهم يحدجونني بأنظارهم ويتضاحكون، ففي قلبهم ثورة البغضاء وعلى شفاههم بسمة الثلوج.
6
وطرأ حادث كم الأفواه واسترعى الأبصار، وكان البهلوان بدأ بألعابه فاندفع من النافذة وأخذ يتمشى على الحبل الممدود بين برجين فوق الساحة وما عليها من المتفرجين، وما وصل إلى وسط الحبل حتى فتحت النافذة مرة ثانية، واندفع منها فتى مخطط بالألوان كالمهرجين وسار متبعا خطوات البهلوان صارخا: «إلى الأمام أيها الأعرج! إلى الأمام أيها الكسلان، أيها المرائي ذو الوجه الشاحب! اذهب لئلا تداعبك نعلي، ما هو عملك بين هذين البرجين؟ أفليس في البرج مكان سجنك ؟ أنك تسد الطريق في وجه من هو أفضل منك.»
وكان الفتى يتقدم خطوة كلما قال كلمة حتى أصبح على قاب قوسين من البهلوان، وعندئذ وقع الحادث الذي كم الأفواه واسترعى الأبصار؛ فإن الفتى لم يلبث أن صرخ صرخة الجن وقفز فوق العقبة القائمة في سبيله، ولما رأى البهلوان انتصار خصمه عليه أخذه الدوار، وخلت رجله عن الحبل فرمى عارضة التوازن من يديه وسقط في الفضاء حيث لاحت رجلاه ويداه كعجلة تدور في الهواء.
وماج الحشد على الساحة كالبحر اجتاحته العاصفة الهوجاء، وانفرط الناس مولين الإدبار، وانفرج المكان حيث كان يتجه الجسم بانحداره.
ولكن زارا لم يتحرك فوقع الجسم على مقربة منه حيث تقطعت أوصاله وتهشم، غير أنه كان لم يزل حيا، وما عتم أن عاد روع الجريح إليه فرأى زارا جاثيا قربه فرفع رأسه وقال له: ماذا تفعل هنا؟ ما كنت أجهل أن الشيطان سيضل خطواتي يوما وها هو ذا الآن يجرني إلى جحيمه، أفتريد أن تمنعه؟
Shafi da ba'a sani ba