فلم يتم حسن قوله حتى بهت أبو سليمان وازداد لونه امتقاعا وأطرق وصارت لحيته ترقص في صدره، وكان حسن يلاحظه وقد أدرك ما جال في خاطره. وجعل أبو سليمان يهم بالكلام ثم يمسك؛ لأنه كان مطلعا على تردد عرفجة على مجلس طارق، وعرفجة مشهور في المدينة بخيانته وسوء نيته.
أما حسن فلم يمهله ريثما يتكلم فابتدره قائلا: «لا أكلفك إطلاعي على سر، فقد فهمته وهذا يكفي. أما الفتاة فخطيبتي ولا شيء يمكن أن يثنيها عني أو يثنيني عنها. وإنما أرجو أن تبحث عنها وتعرف أحوالها وهذه هي وصيتي إليك فإذا قبلتها كان ذلك فوق ما أتمناه.»
فقال أبو سليمان: «أنا عند ما تريد، وسأولي أمرها اهتمامي، كما أهتم بولدي هذا. كن في سكينة وراحة بال.»
فلما فرغ حسن من أمر سمية عاد إلى التفكير في الكتاب والخادم، فتبادر في ذهنه أنه قد يلقى خادمه في المدينة فيساعده على البحث عن الكتاب، وعزم إذا لم ير الخادم فإنه يكتفي بإبلاغ عبد الله بن الزبير فقد الكتاب ويرى ما يكون، فنهض مودعا. فقال له أبو سليمان: «إذا لم يكن بد من سفرك فاجعله من غير الطريق الذي كنا فيه أمس. اخرج من باب آخر وأنا أرسل معك خادمي يهديك إلى الطريق ويسوق جملك بدلا من خادمك، وسأقدم لك جملا أحسن من جملك فانعم بالا وكن على ثقة أننا أنا وسليمان في خدمتك حتى تبلغ مرامك.» ثم صاح: «يا بلال.» فجاء عبد خفيف السواد حسن الملامح فقال له: «هيئ الجمل الأشرم. واملأ القرب ماء، وأعد زاد السفر.» فذهب بلال ثم عاد وقد أعد كل شيء، فقال أبو سليمان لحسن: «إذا كان لا بد من سفرك فسر على عجل ولا تقف ولا تسترح حتى تبعد عن المدينة.»
فقطع حسن كلامه وقال: «فاتني أن أخبركم عن إبل البريد، فقد رأيت ثلاثة منها دخلت المدينة في هذا الصباح وأظنها قادمة من مكة.»
قال أبو سليمان: «لا يبعد أنهم جاءوا لطلب نجدة أو مدد، أو بخبر فتح أو شيء من ذلك، أما أنا فإني سأنتقل من هذا البيت إلى سواه وأختفي يومين أو ثلاثة حتى لا يراني أحد لئلا يطلبونني للمسير معهم.»
ثم ودعهم حسن وركب الجمل وسار بلال في ركابه، وبود حسن لو يعيد النظر إلى سمية قبل سفره ولكنه أراد العجلة وخاف الوقوع فيما هو شر من ذلك.
الفصل التاسع
سمية في منزل سكينة
فلنترك حسنا قاصدا إلى مكة مع بلال، ولنعد إلى المدينة لنرى ما كان من أمر سمية بعد سفره، فقد تركناها عائدة إلى بيت سكينة ومعها عبد الله خادم حسن يسير في خدمتها. فلما وصلا إلى باب البيت قالت له سمية: «قد وصلت إلى مأمني فانصرف.» وكانت قد استأنست به لأنه ثقفي مثل أبيها، فلما ودعها قالت له: «قد علمت يا عبد الله منزلة حسن مني فارعه وكان صادقا في خدمته.»
Shafi da ba'a sani ba