فلا تلم حسنا إذا أساء الظن بليلى وحسبها تآمرت على إخفاء سمية عنه.
وقضى برهة في مثل هذه الهواجس وهو على جمله، ثم انتبه فإذا بالظلام يتكاثف، وتذكر صديقه سليمان، فأجفل وشق عليه تأخره عن الموعد مع ما أبداه الرجل من الرغبة في مرافقته وبالغ في إكرامه والتقرب منه، فاستحث جمله وطلب باب المدينة وقد يئس من مشاهدة سمية، وإن علل نفسه بلقائها عند رجوعه من مكة.
الفصل السادس
المفاجأة السارة
سار حسن بضع دقائق صامتا حتى أشرف على باب المدينة، ومن ورائه المستنقعات والتلال وغابات النخيل. وفيما هو ينظر إلى ما وراء الباب إذا بشبح وقف له في الطريق هاتفا باسمه فالتفت حسن وقلبه يخفق لشدة وقع ذلك الصوت على أذنه، ثم أمسك زمام جمله ونظر إلى الشبح فإذا هو امرأة، فحدثه قلبه بأنها سمية، فوثب على الأرض حتى وقف بين يديها، وتنحى عبد الله وقد أخذ بزمام الجمل وتشاغل بإصلاح الرحل.
أما حسن فإنه نادى: «سمية؟!»
قالت: «نعم، ومن الذي معك؟»
قال: «هو خادم أمين لا تخافي منه. ما الذي جاء بك إلى هنا في هذا الليل؟ أأنت سمية حقيقة؟! ... ما ألطف هذا اللقاء وما أسعد هذه الساعة! سمية حبيبتي قولي ما بدا لك.»
فتنهدت وأسندت كتفها إلى حائط هناك وتشاغلت بإصلاح نقابها، وسكنت.
وقد سر حسن لسعيها إلى ملاقاته، ولكنه أوجس خيفة مما دعاها إلى ذلك لما يعهده في أبيها من الشدة والغلظة فقال لها: «إني لا أرى في هذه الدنيا أحدا أسعد مني الآن، وقد بذلت الوسع في سبيل الحصول على هذه المقابلة فلم أفز، وها قد أتتني الساعة عفوا فالحمد لله، ولكنني أخشى أن يكون لهذه المخاطرة سبب يسوء.» فتحيرت سمية ولم تدر بم تجيب، فلبثت صامتة، فازداد هو قلقا وقال لها: «ما بالك؟ قولي، لعلك علمت بذهابي إلى مكة فخفت خطرا يهددني هناك؟»
Shafi da ba'a sani ba