فلما رأى حسن انخداع الحجاج بكلام عرفجة، تجلد وقال: «نعم يا مولاي كان الكلام بينهما في فسطاط مقفل، ولكنني سمعت ورأيت خلسة!»
فقال عرفجة: «لقد بدا من تناقض أقوالك أنك لم تسمع ولم تر، ولعلك تريد أن تستشهد بشريك لك في خداعك وكذبك، ولكني لا أقبل إلا شهادة محمد بن الحنفية نفسه، فإنك اعترفت بأنه وحده الذي سمع حديثي.»
فقال الحجاج: «هذا طلب عادل، ما في ذلك شك.»
وهنا تذكر حسن أنه أرسل بلالا إلى ابن الحنفية ولا يدري ماذا كان من أمره معه فقال: «إن الأمير أدرى مني بما يحول دون الوصول إلى مثل هذه الشهادة؛ لأننا إما أن نستقدم ابن الحنفية إلى هنا، وإما أن نذهب إليه أو نستكتبه ...»
فقطع عرفجة كلامه وقال: «لا أقبل إلا شهادة ابن الحنفية نفسه.»
فقال الحجاج: «ذلك شيء يسير، وإن ابن الحنفية مصدق عندنا وإن لم يكن على دعوتنا.»
قال ذلك وتحرك عن وسادته كأنه يريد استئناف البحث، ثم التفت إلى حسن وقال: «بقي علينا النظر في تهمتك ولكنها ليست تهمة نطلب إثباتها وإنما نحن نسألك عما دعاك إلى هذه القحة؟» •••
وكان حسن قد هم بإخبار الحجاج أنه أرسل من يأتي بشهادة ابن الحنفية، فلما فاجأه بهذا السؤال، اضطرب ولكنه تجلد وهم بأن يجيب، فاعترضه عرفجة قائلا: «أنا أروي لك الخبر كله يا مولاي، فإنه يخجل أن يرويه.»
فلم يعد حسن يصبر على نفاق عرفجة فرفع صوته وقال: «لماذا أخجل؟ أأخجل لأني أنقذتك من الموت أنت وأهل بيتك؟ أم أخجل لأنك خدعتني بوعدك ثم نكثت غير مرة؟ إني لم أعمل عملا أخجل من ذكره.» ثم وجه كلامه إلى الحجاج وروى له باختصار قصته مع عرفجة منذ أنقذه في العراق. وكان الحجاج مصغيا إلى الحديث باهتمام، فلما بلغ حسن إلى سعي عرفجة في قتله قاطعه هذا قائلا: «لقد سعيت في قتله يا مولاي لأني رأيت معه كتابا إلى عبد الله بن الزبير الذي فر إليه بالأمس. وقد أبلغت أمره إلى طارق بن عمرو عامل المدينة فعده جاسوسا، وأرسل من يقتله. أما أني وعدته بابنتي فإن مولانا الأمير خطبها بعد ذلك فكيف أرفض شرفا أولانيه الأمير؟ والعجب كل العجب أنه بعد أن علم بأنها زفت إلى الأمير ما برح يرجو الحصول عليها. وبلغ من قحته أنه جاء إلى هذا المعسكر محاولا إغراءها بالفرار معه. ولكن الله أوقعه في أيدينا وسجناه، ففر إلى عدونا ليوقع بنا، ثم اغتنم اشتغال الأمير وجنده بالقتال وعاد إلى حيث رآه الأمير بنفسه خارجا من خباء سمية، فإذا كان الأمير يرى الصبر عليه حلما، فإني لا صبر لي على مثل هذه الخيانة.»
فوقع كلام عرفجة على قلب الحجاج وقوع النار على يابس العشب، وثارت غيرته فالتفت إلى حسن وقال: «هل تنكر أنك تحب سمية؟»
Shafi da ba'a sani ba