وما أتم كلامه حتى أحدق به الفرسان وسيوفهم مسلولة، فوضع حسن يده على قبضة سيفه وقد ثارت الحمية في رأسه وقال لهم: «لا يغرنكم عددكم، ولا تظنوا أني أهاب سيوفكم وخيولكم، فإما أخبرتموني بما تريدون بالحسنى، وإما فلن تنالوا مني شعرة قبل أن يقطر حسامي من دمائكم.» قال ذلك وقد أخذ الهياج منه مأخذا عظيما ولم يعد يبالي الحياة.
فتقدم إليه فارس منهم لا يظهر من وجهه غير عينيه خلال اللثام وقد شهر السيف بيده وقال: «نراك تظهر من الضعف قوة، وما أنت إلا جاسوس نذل لا أحسبك تحتمل ضربة من هذا السيف.»
فلما سمع حسن قوله صعد الدم إلى رأسه وصاح في هذا الفارس قائلا: «أتخوفني بسيفك؟ إنما يخاف السيوف من يخاف الموت، ولست ذلك الرجل. فإذا أردت النزال فانزل نتبارز راجلين، فلا يصح النزال وأنت راكب وأنا راجل. وإذا خفت فانزلوا جميعا وأنا أستعين الله عليكم.»
فضحك الفارس بصوت عال سمعه الجميع، قال وهو يحول شكيمة جواده عن حسن: «لو أن الأمير أمرنا بقتلك لأريتك القتل كيف يكون، ولكنه أمرنا أن نقودك إليه أسيرا، فامش.»
قال: «لا أسير ماشيا وأنتم راكبون، فإما أن أركب معكم أو تمشوا معي!»
فلما رأوا هذه الجرأة منه هابوه وحسبوا له حسابا، وجعلوا يتشاورون فيما يفعلونه. فأشار بعضهم بقتله، وعارض آخرون؛ لأن الأمير لم يأمرهم بذلك. ثم قر رأيهم على مسايرته ريثما يبلغون به المعسكر ويقدمونه فيرى الأمير رأيه فيه.
وكانوا يعلمون أنه يندر أن يساق إلى الحجاج متهم وينجو من القتل؛ فإنه كان سفاكا للدماء حتى أحصوا الذين قتلهم في حياته فبلغوا مائة ألف وعشرين ألفا، ووجدوا في سجونه بعد موته ثلاثة وثلاثين ألفا لم يجب على واحد منهم قتل ولا صلب. فرأى الفرسان أن يعاملوا حسنا بالحسنى ويتركوا أمر الإيقاع به إلى الحجاج. فتقدم إليه فارس غير الذي كلمه أولا وقال له: «لو كنا قد أمرنا بقتالك لقاتلناك مشاة أو فرسانا، ويحكم الله بيننا وبينك، ولكننا جئنا لنحملك إلى الأمير.»
قال: «قلت لكم إني لا أسير معكم ماشيا وأنتم راكبون.» وكان قنبر واقفا يسمع كلامه وهو يستغرب صبرهم على جرأته، فلما سمع قوله تقدم إليه وقال بلهجة العبيد ورطانتهم: «امش يا حسن وهل أنت أحسن مني؟»
فلما سمع حسن كلامه جرد سيفه وصاح فيه قائلا: «إذا تكلم الناس فاخرس أنت يا عبد النحس. وإلا فإني مطير رأسك بحد هذا السيف.»
فضحك قنبر حتى بانت نواجذه ثم قال: «بعد قليل نرى من المقتول منا. ولكنك غير ملوم لأن سمية خرجت من يديك، تعال وانظرها بين نساء الأمير.»
Shafi da ba'a sani ba