فقال: «إن النجاة قريبة إن شاء الله، ولكن لا بد من الصبر، فأذني لي في الانصراف الآن، لأعود إلى موقفي لئلا يشكوا في أمري، فإذا حدث شيء أو احتجت إلى شيء فإني رهين إشارتك، وإذا حدث عندي شيء جئتك به.» قال ذلك وهم بالخروج فاستوقفته وقالت له: «إلى أين؟ وكيف تترك حسنا وحده في تلك الخربة ومن أين يأكل وأين ينام؟!»
فقال: «أتظنين أني تركته ولم أعد إليه؟ كوني مطمئنة فإني أدبر له كل ما يحتاج إليه.» وودعها وخرج.
وتذكرت سمية ليلى، فنادت أمة الله وقالت لها: «أين هي ليلى؟» فقالت: «هي في خباء هند.» وخرجت ثم عادت تقول: «لم أجد في الخباء أحدا.»
فاستغربت ذلك وقالت: «ألم تسألي الخدم عنهما؟»
قالت: «سألت الخادمة فذكرت لي أن هندا خرجت عند الغروب تتمشى بين الأخبية، ثم جاءت ليلى للسؤال عنها فلما لم تجدها اقتفت أثرها، ولم تعودا من ذلك الحين.»
فقالت: «وأين تذهبان في هذا الليل؟ أخاف أن يكون الحجاج بعث للقبض على ليلى لأنها واطأت حسنا على التنكر.» وخافت سمية إذا بالغت في البحث عنهما أن تنصرف الشبهة إليها، فدخلت خباءها وجلست تفكر فيما مر بها في تلك الليلة من الغرائب. وكلما تصورت أنها نجت بحبيبها وخرجت من معسكر الحجاج يختلج قلبها فرحا.
أما عرفجة فإنه عرف حسنا حالما وقع بصره عليه، فتجاهل وانتظر حتى خرجت ليلى ثم طلب القبض عليه كما تقدم. ففوض إليه الحجاج أن يفعل به ما شاء، فلما ارفض المجلس خرج عرفجة إلى كبير الحراس وأوصاه بأن يبعث بضعة عشر من رجاله بالسلاح يقتفون أثر راوية الشاعرة ويقبضون عليه حيثما وجدوه. وكان عبد الله قد سبق إلى حسن وخرج به إلى ذلك المخبأ.
فلما لم يعثر الحراس على حسن هناك، عادوا إلى عرفجة وأنبأوه بذلك فقال: «إلي بليلى فإنها في أخبية النساء.» فعادوا إليها فرأوها تتمشى مع هند بجوار الأخبية فأشاروا إليها أن تأتي إلى فسطاط الحجاج. فلما سمعت ذلك خافت من انكشاف أمرها ولكنها لم تر بدا من الطاعة، فسارت مع الحراس حتى أتوا الفسطاط والظلام قد عقد قبابه، فلم يدخلوا فسطاط الحجاج بل دخلوا فسطاطا آخر رأت في صدره عرفجة جالسا. فلما رأته استعاذت بالله من شر ذلك المساء، ولكنها كانت جريئة لا تبالي بمن تلاقي، فدعاها إلى الجلوس وقال لها: «أين هو راويتك يا ليلى؟»
فلما سمعت سؤاله أدركت أن أمر حسن قد انكشف فلم تشأ أن تشرك نفسها في ذنبه فيقعان معا فلا تعود قادرة على مساعدته، فعمدت إلى الحيلة وقالت: «وأي راوية تعني؟»
قال: «راويتك الذي يحمل جرابك وقد جئت به اليوم.»
Shafi da ba'a sani ba