قال: «كيف لا؟!» وهاجت أشجانه ولم يعد يستطيع صبرا على الذهاب إليها وأحس أنه مقصر في حق سمية، وهان عليه أن يضحي بنفسه لإنقاذها . وكلما تصور أنها زفت إلى الحجاج عظم الأمر عليه وكادت الغيرة تحرقه، فأطرق برهة ثم قال: «وهل زفت إلى الحجاج حقيقة؟»
قالت: «قلت لك إنها زفت إليه وهي في داره مع سائر نسائه.»
قال: «أعوذ بالله! ولكن قلبي لا يصدق أنها في بيته مثل إحدى نسائه. وهل يحبها هو؟»
قالت: «يحبها حبا شديدا، ولم يكن يحلم بحصوله عليها لأنها لا تريده، ولكن المقادير ساعدته فحملوها إليه قسرا.»
فاضطرب وجمد الدم في عروقه وقال: «إني أطير إليها وأختطفها من وسط بيته ومن بين مخالبه!»
فقطعت ليلى كلامه وقالت: «تبصر يا حسن، إن دون الوصول إليها عقبات لا يستطاع تجاوزها إلا بالحكمة.»
قال: «وأي حكمة؟ كيف يمسها الحجاج وأنا حي؟ ليس في الحب حكمة. الحب شيء والحكمة شيء آخر. إن الرجل إذا أحب خضع لقوانين الحب وحدها، وما في الحب حكمة ولا سياسة ولا رياء.»
فلما رأت ليلى شدة هياجه أشفقت على حياته مما يعترض السبيل إلى سمية من الأخطار، ولا سيما أنها عند الحجاج الذي اشتهر بالظلم والجبروت، فإذا وقع حسن بين يديه فلن يعفيه من القتل، فقالت له: «إني معك في أن الحب لا سياسة فيه ولا حكمة، ولكن المحب ينبغي أن يحرص على حياته لأجل حبيبه، فيجب أن تحرص على حياتك لأجل سمية. تبصر في الأمر يا بني، وسأكون في عونك حتى تبلغ ما تريده، فإني أعرف قيمة الحب ويسوءني أن يفرق أحد بين حبيبين، بل إني لأنقم على من يسعى في التفريق بينهما!» قالت ذلك وتنهدت وأشرق الدمع في عينيها.
فأدرك حسن أنها تنطق عن إحساس صادق؛ لأنها أحبت توبة ومنعوها منه فقال: «بورك فيك يا ليلى، فلقد خففت من شدة بلواي، فأشيري علي بما ترين.»
فقالت: «إني وفدت على الحجاج في معسكره، على عادتي في الوفود على الأمراء، فرحب بي وأنزلني في دار أعز نسائه عليه، وهي هند بنت النعمان. ولعلك تعلم أنها جميلة ذات حسب ونسب ولكنها لا تحبه ولا تحترمه، فلقيت سمية عندها، وتحدثت معها في شأنك فلما أنبأتني بفقدك شق ذلك علي، واعتزمت أن أستطلع خبرك في مكة، فعرضت على الحجاج أن آتي إليها وأحاول إقناع ابن الزبير بالاستسلام، مع أني أعلم أن استسلامه مستحيل. فلما جئت مكة علمت أنك جئتها بالأمس، وخطبت رملة لخالد فقبل ابن الزبير ولكنه استمهلك ريثما تنقضي الحرب. فكان سروري مزدوجا بسلامتك ونجاحك في المهمة التي جئت لأجلها. وأرى أن أعود الآن إلى معسكر الحجاج وأجعلك راويتي، وأنت تعلم أن لكل شاعر عربي راوية يرافقه فيحفظ أشعاره ويرويها عنه. والحجاج لا يعرفك، فلن يخطر بباله أنك مناظره على سمية، ومتى وصلنا إلى المعسكر وأقمنا به، تفكرنا في أمر سمية، وأسأل الله التوفيق.»
Shafi da ba'a sani ba