5
وفي هذا القول، نجد حافظ نجيب يعيد مشاعره الجاحدة ضد والده، ويكرر اتهاماته السابقة، ويضيف عليها اتهامات جديدة! فمن غير المعقول أن يقسو والد لمجرد وقوع نظره على ابنه! علما بأن والد حافظ لم يكن السبب في رحيل الجدة التركية من مصر، ولم يقصر في إتمام دراسة ابنه، بل إن الابن هو المقصر في ذلك! وهذه الاتهامات الكاذبة غير بعيدة عن سلوكيات حافظ نجيب، حيث إنه كذب عندما اتهم عمه باتهامات غير صحيحة، واعترف بذلك في اعترافاته قائلا: «وقد شكوت لوالدي من المعاملة التي ألقاها في بيت عمي، ولكنني كنت كاذبا في كل ما شكوت منه؛ لأن عمي كانت له أخلاق رضية كريمة، وكان منزها عن كل عيب ينسب إلى الأخلاق أو الرجولة أو العقل أو الوصف كرب أسرة هادئة تعيش في اطمئنان وهناء.»
6
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: لماذا كان حافظ نجيب جاحدا لأهله ناكرا لهم؟! سنجد الإجابة تتمثل في كلمة واحدة، وهي «الفقر»، فحافظ نجيب عندما خرج من قصر جده لأمه «الباشا التركي»، إلى جده لأبيه «حسن السداوي» في الدراسة، فقد خرج من نعيم الثراء إلى حرمان الفقر! ولأن حافظ نجيب لم يكن مؤهلا لتحمل المسئولية، ولم يكن مستقيما في سلوكياته، ولم يكن سويا في تفكيره، نجده يبحث عن المال ليعوض به حرمان الفقر، بكل وسيلة ممكنة، مهما كانت عواقب هذه الوسيلة! فبدلا من أن يجتهد الطالب حافظ في استذكار دروسه، حتى يحصل على شهادة يحقق بها مستقبلا زاهرا يبعده عن الفقر، نجده وهو في المدرسة الخديوية، يبيع كتبه الدراسية واحدا بعد الآخر من أجل إمتاع نفسه!
7
ثم نجده بعد ذلك، يتهم والده بأنه قصر في تعليمه!
ومظاهر الحرمان التي ذكرها حافظ في اعترافاته، تمثلت في مرحلة دراسته الثانوية - على وجه الخصوص - ومنها عدم مبارحته المدرسة أيام العطلة الأسبوعية لعدم وجود المال، كما أنه كان الطالب الوحيد الذي يعود إلى المدرسة دون أن يقوم أهله بتزويده بأنواع الأطعمة الشهية، وبسبب فقره كان يبتعد عن زملائه.
8
ومن الغريب أن هذه الأسباب كان من الممكن أن تكون دافعا قويا لتفوقه وتقويم سلوكه إلى الأفضل! بدلا من أن يتهم والده بأنه قصر في رعايته ودراسته، رغم أنه يعلم حقيقة فقر والده، والتي تتمثل في ضآلة راتبه، وفي ذلك يقول: «كانت ضآلة مرتب الرجل [يقصد والده] تجعله عاجزا عن الإنفاق علي واستكمال حاجاتي الضرورية، فقضيت طول زمن الدراسة في عسر وضيق.»
9
Shafi da ba'a sani ba