فقال: أما أني لا أقتلك، ولكن سأنكلك نكالًا يؤنثك من تفحلك، وأمر به فخصي، ومر بأن يخصى المخثنون في كل بلد، فسمي الدير دير الخصيان، فلا يعرف إلا به!.
٣٧ - وصف ذو الرمة وهو غلام بالبادية لعبد الملك بن مروان، وذكر له جودة شعره فأحب أن يراه، فتقد بإحضاره وأنفذ وراءه من استحضره، فلما دخل عليه قال له: ما اسمك؟ قال: غيلان، قال: ابن من؟ قال: ابن عقبة، ونسبه فانتسب إلى مضر، واستنشده فأنشد قصيدة أولها:
ما بالُ عينيكَ منها الماءُ ينسكبُ ... كأنَّه من كلىً مفرية سربُ
واتفق أن كانت عينا عبد الملك تسيلان دائمًا فظن أنه عرض له، فغضب وقطع إنشاده وأمر بإخراجه، فسأل من بعد عن السبب فيما فعل به فأعلم ذاك وانزعج منه، استطرف سوء الاتفاق له، أقام حتى أذن للشعراء فدخل معهم، وأعاد القصيدة، وقد غير الموضع منها وقال:
لمياءُ في شفتيها حوَّةٌ لعسٌ ... وفي اللثاتِ وفي أنيابها شنبُ
كحلاءُ في برجٍ صفراءُ في دعجٍ ... كأنها فضةٌ قد مسَّها ذهبُ
فأجازه وأكرمه، وقال: لو أنها قيلت في الجاهلية لسجدت العرب لها!.
٣٨ - وكان طاهر بن عبد الله بن طاهر قد ولي خراسان بعد موت أبيه عبد لله بن طاهر، وكان أديبًا فاضلًا، قليل الرغبة في سماع الغناء، فحضره يمًا مغن عراقي موصوف بالحذق (والذكاء) فابتدأ يغني وجماعة جلساء طاهر وخواصه حضور:
شبَّ بالإثلِ من عزيزة نارُ ... أوقدتها وأينَ منكَ المزارُ
وكان اسم والدة طاهر عزيزة، فتغامز الحضور به، وأعلموه بهفوته، فانقطع وأمسك، فقال طاهر: ما له؟ فسكتوا، فقال: قد علمت سبب انقطاعه ليس يغني اليوم في مجلسنا إلا بهذا الصوت! فغني فيه يومه أجمع، وخلع عليه وأجازه.
٣٩ - وذكر عبد الصمد بن المعذل قال: كان خليلان الأموي يتغنى، ويرى ذلك زائدًا في مروءته وفتوته مع شرفه في قومه وسعة نعمته، فحضر يومًا عند عقبة بن سلم الهنائي الأزدي، وهو يومئذٍ أمير البصرة من قبل المنصور، وكان جبارًا عاتيًا، فلما طعما وخليًا، انظر خليلان إلى عودٍ موضوع في جانب البيت، فعلم أنه عرض له به، فأخذه وتغنى:
يا بنة الأزدي قلبي كئيبُ ... مستهامُ عندكم ما يؤوب
ولقد لاموا فقلت دعوني ... إن منْ تلحون فيهِ حبيبُ
فجعل وجه عقبة يتغير، وخليلانُ في غفة مما فيه عقبة، يرى أنه محسنٌ، ثم فطن لتغير وجهه، وعلم أنه قد غلط فيما تغنى به وذكر الأزدية فيهن فقطع الصوت وغنى مكانه:
ألا هزلت بنا قرشي ... ية يهتز موكبُها
فسري عن عقبة، فلم فرغ من الصوت وضع العود، وحلف إيمانًا أكدها على نفسه أنه لا يتغنى عند من يجوز عليه أمره.
٤٠ - وذكر أن بعض المغنين غنى عند الرشيد بشعر مدح به أخوه علي بن المهدي المعروف بابن ريطة، وهي بنت السفاح، وغناه المغني وهو لا يعرف قائله ولا من قيل فيه، وهو:
قل لعلي أيا فتى العرب ... وخيرَ نامٍ وخيرَ منتسب
أعلاك جداكَ يا عليُّ إذا ... قصر جدٌ في ذروة النَّسبِ
فتغير الرشيد تغيرًا شديدًا، واستفهم المغنى عن الشعر وقائله ومن قيل فيه، فوجده لا علم من ذلك شيئًا، فبحث عن أول من غنى فيه مكان عبد الرحيم الرقاص، فأمر به فضرب أربعمائة سوطٍ.
1 / 9