فنظر إليها بحب وعطف وقال: لا أمان في هذه الدنيا ..
أطرقت حتى أشفق من أنها تخفي دمعة فقال: إني ممتن لك، أنت نور في هذه الدنيا التي تمضي بلا منطق، ولا وجود حقيقي .. - املأ قلبك بالأفكار العذبة حرصا عليك وعلي ..
فتنهد وسأل: هل ذهبت قدرية بسلام؟ - نعم. - خيل إلي أن صوتها زمجر وأرعد، ماذا جرى؟ - لا شيء ألبتة، إنها امرأة مسكينة .. - أجل. الأخطاء ترتكب بعدد تردد الأنفاس. - عليك أن تنعم بالراحة الكاملة ..
فرقت نظرته بحنان وسألها: هل يقدر لنا أن نحقق أملا من آمالنا؟ - بمشيئة الله ..
فقال وهو يحدجها بحزن: في لحظة يأس رميت بالدرجة وراء ظهري وتركز أملي في حلم واحد هو الإنجاب .. - جميل، سيكون لنا ذلك .. - شكرا لك يا حبيبتي .. - اهدأ حتى تتم سعادتنا .. - ولكني أتساءل عن معنى ضياع أمل ذي طبيعة خالدة؟ .. إنه يعني أن فناء العالم ممكن، وأنه ربما وقع بكل بساطة .. - ألا تهب وقتا آخر للتفلسف؟ - حسن .. - ألا ترغب في شيء قبل النوم؟
فأجاب باسما: أرغب في معرفة حكمة الحياة ..
38
وأخيرا استقبل زواره. جاء الزملاء والمرءوسون والسعاة والفراشون. وانعقدت الجلسات بحجرة النوم وطالت وبشرت بالشفاء الكامل. ودار الحديث عن الصحة والمرض، ومعجزات الشفاء، ورحمة الله، ومهارة الأطباء، وأخبار الوزارة والإدارة، والبطاقة التي أرسلها الوزير، والأخرى التي أرسلها الوكيل. - لم لم يحضر الوكيل بنفسه؟ - إنه غائص في العمل حتى قمة رأسه ولكن عذره ضعيف .. - حسن وما أهمية ذلك؟
وسرعان ما خاضوا في الأحاديث العامة، حفلة الإذاعة الأخيرة، الأسعار، صراع الأجيال إلخ ..
وهو قد شارك في الحديث بقدر وتابعه بقدر أكبر، وما يدري إلا وهم يتكلمون في السياسة! صكت أذنيه مرة أخرى الصراعات المضطربة برموزها الرنانة: الحرية .. الديموقراطية .. الشعب .. الجماهير الكادحة .. المذاهب الثورية .. التنبؤات الراسخة عن ثورات الغد .. وقال لنفسه إن الفرد ينوء بآماله أفلا يكفيه ذلك؟! ولكنهم يؤمنون بأن آمال الفرد رهن بأحلامهم الثورية! حسن .. أي ثورة تضمن له الشفاء وإنجاب الذرية وتحقيق كلمة الله في الدولة المقدسة؟! ولكنه لم يعلن أفكاره ولم يبح بسره لأحد، إنهم قطيع تافه في مراعي التعاسة، يعلقون الأمل على الأحلام لضعف نفوسهم وتهافت إيمانهم وجهلهم أن الوحدة عبادة.
Shafi da ba'a sani ba