فلم يعلق الكهل بكلمة. وأراد أن يدفع الحساب ولكن عثمان أبى عليه ذلك ودفعه من جيبه وهو يتمزق. تلاشت البهجة من الجلسة ولم ينفع في إحيائها الافتعال. وغادرا المقهى فمضيا مشيا على الأقدام حتى ميدان باب الشعرية، وهناك فارقه الرجل إلى مسكنه. وجد نفسه في حال تعيسة من التوتر والقلق. ودهمته موجة مجنونة من الاستهتار فدعته إلى التبذير اليائس كأسلوب من الانتحار.
وقصد بلا تردد الدرب ليدفن في أعماقه قلقه وأحزانه وعذابات ضميره. وقال لنفسه بحزن: حتى أخطاء الإنسان يجب أن تكون مقدسة ..
9
اعترضت أم حسني طريقه وهو نازل. إنها لا تفعل ذلك بلا سبب. نظر إلى وجهها المخدد بالتجاعيد وشعرها المصبوغ بالحناء وجسمها القوي رغم شيخوختها فتذكر أمه، صافحها وهو يبتسم فقالت: عندي خبر .. - خير إن شاء الله.
فقالت وهي تضيق عينها الوحيدة - فقدت الأخرى في معركة من معارك الحارة - قالت: لا خير فيه ..
نظر إليها جادا فقالت: عريس، وجد عريس في طريقك! - هه؟ - عريس تقدم لسيدة ..
اجتاحه حزن وذهول كأن ذلك لم يكن متوقعا. لم يجد ما يقوله. - ترزي بلدي ..
كان يعلم بأن ذلك آت لا ريب فيه. لا يحاول دفعه ولا أمل له في منعه كالموت. ولم ينبس فسحبته من يده إلى حجرتها وأجلسته على الكنبة إلى جانبها، وسألته: ألا يهمك الأمر؟
شعر بألم حاد في أعماق روحه. شعر بأن الدنيا تتلاشى. قال بغضب: لا تطرحي أسئلة لا معنى لها .. - هدئ خاطرك .. - يحسن بي أن أذهب. - ولكنك لن تتمكن من لقائها.
الدنيا تتلاشى أكثر وأكثر .. قالت: كان يجب أن تدرك ذلك من نفسك. - لم؟ - أمها تتشدد في منعها من الخروج، فرجل حقيقي خير من خيال ..
Shafi da ba'a sani ba