مقدمة في اسم الديوان
الكروانيات
غزل ومناجاة
صفات وتأملات
متفرقات
هجاء
رثاء
تذييل في اسم الديوان
مقدمة في اسم الديوان
الكروانيات
Shafi da ba'a sani ba
غزل ومناجاة
صفات وتأملات
متفرقات
هجاء
رثاء
تذييل في اسم الديوان
هدية الكروان
هدية الكروان
تأليف
عباس محمود العقاد
Shafi da ba'a sani ba
مقدمة في اسم الديوان
كان الربيع وتلاه الصيف، وكانت لياليهما السواحر الحسان، وكان هتاف الكروان الذي لا ينقطع من الربيع إلى الخريف، ولا يزال يتردد حتى يسكته الشتاء. وأكثر ما يسمعه السامع في حوافي مصر الجديدة حيث أسكن وحيث يكثر هذا الطائر الغريب؛ لأنه يألف أطراف الصحاري على مقربة من الزرع والماء، كأنه صاحب صومعة من تلك الصومعات التي كان يسكنها الزهاد بين الصحراء والنيل؛ فله من مصر الجديدة مرتاد محبوب.
ولي بالكروان ألفة من قديم الأيام، نظمت فيه القصيدة النونية التي أقول في مطلعها:
هل يسمعون سوى صدى الكروان
صوتا يرفرف في الهزيع الثاني
وأودعتها الجزء الأول من الديوان.
ثم أعادني طائف من طوائف النفس إلى النظم فيه، فاجتمعت عندي قصائد عدة في مناجاته. وكأنني كنت أعارضه وأساجله بكثير من القصائد الأخرى التي اشتملت عليها هذه المجموعة، فصح على هذا المعنى أن يسمى الديوان كله «هدية الكروان».
ولوصف الكروان وشرح طباعه ومشاربه مقام آخر غير هذا المقام؛ فأما غناؤه فقد تقال فيه كلمة هنا؛ لأننا نتكلم عما فيه من شعر يوحي الشعر، فليس أصلح لهذا الكلام من صدر ديوان.
تسمعه الفينة بعد الفينة في جنح الليل الساكن النائم البعيد القرار، فيشبه لك الزاهد المتهجد الذي يرفع صوته بالتسبيح والابتهال فترة بعد فترة، ويشبه لك الحارس الساهر الذي يتعهد الليل بالرعاية بين لحظة ولحظة، وينطلق بالغناء في مفاجأة منتظرة أو انتظار مفاجئ، فلا تدري، أهي صيحة جذل أم هي صيحة روعة وإجفال؟ ولكنك تشعر بالجذل والروعة والإجفال تتقارب، وتتمازج في نفسك حتى لا تتفرق، كأنك تصغي إلى طفل يرتاع وهو جذلان، ويجذل وهو مرتاع! ويطلب الخطر ويشتهيه؛ لأن للخطر في حسه طرافة وحركة، فهو من عالم التفاؤل والإقبال لا من عالم التشاؤم والنكوص.
ويطلع عليك بهتافه من هنا ومن هناك، وعن اليمين وعن الشمال، وعلى الأرض وفوق الذرى، فيخيل إليك أنك تستمع إلى روح هائم لا يقيده المكان ولا يعرف المسافة، أطلقوه في الدنيا على حين غرة، فسحرته فتنة الدنيا وخلبته محاسن الليل، فهو لا يعرف القرار ولا يصبر في مطار. فأنت تتلقى من صوت هذا الطائر الأليف النافر عالما من معان وأشجان يتجاوب فيه تقديس المصلي القانت، وحدب الحارس الأمين، وروح الطفولة، ومناجاة الخطر المقبول، وهيام الروح المنهوم بالحياة والجمال؛ عالم لا نظير له فيما نسمع من غناء الطير بهذه الديار.
Shafi da ba'a sani ba
ومن العجيب أنك لا تقرأ صدى للكروان فيما ينظم الشعراء المصريون، على كثرة ما يسمع الكروان في أجوائنا المصرية من شمال وجنوب!
وأعجب منه أنك لا تقرأ فيما ينظمون إلا مناجاة البلابل وأشباهها على قلة ما تسمع في هذه الأجواء!
فكأنما العامة عندنا أصدق شعورا من الشعراء؛ لأنهم يلقبون المغني بالكروان ولا يلقبونه بالبلبل، فيصدرون عن شعور صادق ويتحدثون بما يعرفون.
وليس عن تعصب منا للوطن نؤثر الكروان على البلبل وما إليه؛ لأن التعصب الوطني على هذه الصورة حماقة لا معنى لها في الشعر والشعور، ولكننا نؤثره لأن الإعجاب به صحيح يصدر من الطبع الصادق. أما الإعجاب بالطير الذي لا نسمعه، فذاك محاكاة منقولة تصدر من الورق البالي وتؤذي النفس كما يؤذيها كل تصنع لا حقيقة فيه، وأخف موقع له في نفوسنا أن يضحكها ويغريها بالسخرية، كذلك الأصم الذي أراد أن يخفي صممه في مجلس الغناء، فأوصى صاحبه أن يغمزه كلما وجب الصياح والاستحسان، فلما نام وراحوا يوقظونه آخر الليل قام يصيح ويستحسن ولا سماع هناك ولا سامعين!
وإذا لم يشعر الشاعر بتغريد الطير على اختلافه، فبماذا عساه يشعر؟! إن الطير المغرد هو الشعر كله؛ لأنه هو الطلاقة والربيع والطرب والعلو والتعبير والموسيقية. فمن لم يأنس به لم يأنس بما في هذه الدنيا من طبيعة شاعرة، ولم يختلج له ضمير بما في الحياة من فرح وجيشان وتعبير.
والطير بعد هو حجة الطبيعة لشعر الإنسان وغناء الإنسان، فهو عند الشاعر وثيقة لا يعرض عنها ولا يفلتها من يديه، فإذا قال الجفاة الجامدون: إن الشعر لغو في الحياة، قال الشاعر: إن التعبير الموسيقي عنصر من عناصر الطبيعة، وإن الطير يغني ويهتف، وإن الطير يفرغ للغناء وحده إذا شبع وأمن، كأن الغناء والتعبير عن الشعور هما غاية الحياة القصوى، لا ينساها الحي إلا لعائق يشغله ويغض من حياته.
والجفاة الجامدون يقولون كثيرا عن الشعر في الزمن الأخير، يقولونه على الرغم من هذا الشعر الذي تفيض به الطبائع الحية، ولا سيما الأحياء المغردة الطائرة، ويقولونه على الرغم من ملازمة الشعر لكل أمة ولكل قبيلة ولكل لغة، فلو كان شيئا عارضا في الحياة الإنسانية لما وجد حيث توجد الحياة الإنسانية، ولو كانت الموسيقية نافلة في الدنيا لما وجدت في أمة الطير، وإذا وجدت في لسان الطائر فلماذا تحرم على لسان الإنسان؟ ولماذا يكون الكلام الإنساني وحده بمعزل عن الأوزان والأشجان؟
فبين الطائر المغرد والشاعر الشادي محالفة طبيعية لا تحنث فيها الطير، ولا تقصر في إسداء حصتها الخالدة، والشعر مهما أسلف من ثناء على الطير وتمجيد للتغريد لن يوفي كل دينه، ولن يستنفد كل حصته، فلتكن «هدية الكروان» بعض الهدايا التي يتصل بها السبب بين عالم الطير وعالم الشعراء.
عباس محمود العقاد
الكروانيات
Shafi da ba'a sani ba
هتفات الكروان
1
بالليل تترى
ومعاني الربيع نورا وعطرا
وجمال الحياة حبا وحسنا
وشبابا يفيض عطفا وبشرا
بت أصغي لها، وأقبس منها
ثم ترجمتها لمن شاء شعرا
الكروان المجدد
قبل عشرين سنة نظم صاحب الديوان قصيدة «الكروان»، وفيها هذه الأبيات:
Shafi da ba'a sani ba
هل يسمعون سوى صدى الكروان
صوتا يرفرف في الهزيع الثاني؟
من كل سار في الظلام كأنه
بعض الظلام، تضله العينان
يدعو إذا ما الليل أطبق فوقه
موج الدياجر، دعوة الغرقان
ما ضر من غنى بمثل غنائه
أن ليس يبطش بطشة العقبان
إن المزايا في الحياة كثيرة
الخوف فيها والسطا سيان •••
Shafi da ba'a sani ba
يا محيي الليل البهيم تهجدا
والطير آوية إلى الأوكان
يحدو الكواكب وهو أخفى موضعا
من نابغ في غمرة النسيان
قل يا شبيه النابغين إذا دعوا
والجهل يضرب حولهم بجران
كم صيحة لك في الظلام كأنها
دقات صدر للدجنة حان
هن اللغات ولا لغات سوى التي
رفعت بهن عقيرة الوجدان
Shafi da ba'a sani ba
إن لم تقيدها الحروف فإنها
كالوحي ناطقة بكل لسان
أغنى الكلام عن المقاطع واللغى
بث الحزين وفرحة الجذلان
وفي هذا العام نظم صاحب الديوان القصيدة التالية؛ ليقول فيها: إن ما سمعه من الكروان أولا غير ما سمعه آخرا، وإن الكروان يجدد معانيه لسامعيه فترة بعد فترة على خلاف ما يسبق إلى الظن بلغة الطير.
وهذه هي القصيدة:
زعموك غير مجدد الألحان
ظلموك، بل جهلوك، يا كرواني
قد غيرتك، وما تغير شاعرا
عشرون عاما في طراز بيان
Shafi da ba'a sani ba
أسمعتني بالأمس ما لا عهد لي
بسماعه في غابر الألحان
ورويت لي بالأمس ما لم تروه
من نغمة وفصاحة ومعان •••
شكواي منك، وإن شكرتك، إنه
سر تصر به على الكتمان
شكري إليك، وإن شكوتك، إنه
سر تؤخره لخير أوان
كنز يصان فهات من حباته
ذخر القلوب وحلية الآذان •••
Shafi da ba'a sani ba
أنا لا أراك؟! وطالما طرق النهى
وحي، ولم تظفر به عينان
أنا في جناحك حيث غاب مع الدجى
وإن استقر على الثرى جثماني
أنا في لسانك حيث أطلقه الهوى
مرحا، وإن غلب السرور لساني
أنا في ضميرك حيث باح فما أرى
سرا يغيبه ضمير زماني
أنا منك في القلب الصغير، مساجل
خفق الربيع بذلك الخفقان
Shafi da ba'a sani ba
أنا منك في العين التي تهب الكرى
وتضن بالصحوات والأشجان
طر في الظلام بمهجة لو صافحت
حجر الوهاد لهم بالطيران
تغنيك عن ريش الجناح وعزمه
فرحات منطلق الهوى نشوان
فرحات دنيا لا يكدر صفوها
بالمين غير سرائر الإنسان •••
علمتني بالأمس سرك كله؛
سر السعادة في الوجود الفاني
Shafi da ba'a sani ba
سر السعادة نفرة ومحبة
فيكم تؤلف نافر الأوزان
الكون أنتم في صميم نظامه
وكأنكم فيه الطريد الجاني
أنتم سواء كالصديق وبينكم
بعد كما يتباعد الخصمان
لا يحمل الطيار وزر العاني
حمل ابن آدم عثرة الإخوان
لا عالم منكم ولا متعلم
كلا! ولا متقدم أو وان
Shafi da ba'a sani ba
متشابهين على الحياة فكلكم
ساري ظلام، هاتف بأغان
متفرقين على المقام ودأبكم
عند الرحيل تجمع القطان
وكأنما نسخت لكل نسخة
من هذه الأجواء والأوطان
فهو الشريك على نصيب واحد
وهو الوحيد فما له من ثان
ذخر الطبيعة منه تعطون الحجى
لا من سباق بينكم ورهان •••
Shafi da ba'a sani ba
أنتم بني الطير المسبح في الدجى
فيكم كهانة صالح الكهان
بعتم كرى الغافي وطيب رقاده
وبه اشتريتم يقظة اليقظان
قل ما اشتهيت القول يا كرواني
في لهو ثرثار وحلم رزان
سأعيش مثلك لي وللدنيا معا
وأقول مثلك: كيف يزدوجان؟
وأظل تزدحم الحياة بمهجتي
أبدا ويجتنب الزحام مكاني
Shafi da ba'a sani ba
في عزلة أنا والحبيب تؤمنا
دنيا الجمال، ونحن منفردان
الليل يا كروان
الليل يا كروان
بشراك طاب الأوان
بشراك؟ بل أنت بشرى
تهفو لها الآذان
سهران في الليل شاد
فكلنا سهران
وإن تكن أنت حلما
Shafi da ba'a sani ba
فكلنا وسنان
وسنان لم يسه قلب
له ولا أجفان
النوم في الصيف وزر
وفي الهوى كفران •••
الليل يا كروان
ما أنت والنسيان
حاشاك ما أنت ساه
عنه، ولا كسلان
الليل ذكرى وأنت ال
Shafi da ba'a sani ba
مذكر اليقظان
لكنما أنت روح
وهل لروح مكان؟
بينا يقال قريب
كأنه الوجدان
إذا به في صداه
كأنه كيوان
2
إن كان في السمع طيف
فأنت يا كروان
Shafi da ba'a sani ba
صوت ولا جثمان
لحن ولا عيدان
كأنه هاتف في
فضائه حيران
أو رجع صوت قديم
يعيده الحسبان •••
الليل يا كروان
فأين منك البيان؟
ليل الطبيعة صمت
وأنت فيه لسان
Shafi da ba'a sani ba
وظلمة الليل سر
فاقرأه يا ترجمان
ما في الظلام ظلام الح
ياة لو يستبان
إلا صياح اشتياق
تروضه ألحان
نصف الحياة اضطراب
ونصفها أوزان
3 •••
الليل والصيف والحب
Shafi da ba'a sani ba
كلهن أوان
وأنت منهن طرا
على وعود تصان
خذ صمتهن وصغه
شدوا له سريان
غص في قرار الدياجي
فللدجى شطآن
واستقبل النجم علوا
إن النجوم حسان
وخذ من الصيف نارا
Shafi da ba'a sani ba