رأس قد صغر الكبر حجمه حتى استحال إلى جمجمة كروية صغيرة، فكها الأسفل يلتوي إلى أعلى، والأعلى يلتوي إلى أسفل، وملامحها كلها تكاد تنشفط داخل الفم. - «وآدي الشعر أهه.»
وجذب عم محمد بكلتا يديه الشعرات القليلة المتبقية في رأسه. - «وآدي رجليه أهه.»
ومد أقداما شاحبة جدا، وكأنها ماتت من عشرات السنين.
ويبدو أن المجهود الذي بذله في عرض نفسه قد أنهكه، فقد قال وهو يعود إلى رقدته، ويعود إلى مواجهة الحائط: «كنت ريحت نفسك يا بيه، ما قلتلك، والله، ما في إلا شيخوخة بدون جنون.»
وعدت إلى نفسي على قول المعلم: «هه، قلت إيه؟»
فقلت له: «غسل.»
وفي الحال بدأت حركة هائلة في الحجرة، وخلع المعلم جلبابه الصوف، ووقف كالقبطان تصدر منه الأوامر.
وبعد قليل كان عم محمد قد استقر في النعش، وكان النعش محمولا على أكتاف الزملاء «التربية»، وكانوا يتمايلون به وهم يغادرون البيت بلا صوت واحد يدوي ويودع عم محمد، أو صرخة.
وما كاد المعلم يطمئن إلى أن كل شيء قد انتهى، وأنه قد قام بواجبه وأخرج صبيه على خير ما يرام، حتى فوجئت به يتراجع ويجلس على قرافيصه بجوار الحائط، ويخفي رأسه بين ركبتيه، ويخرج صوته خشنا مكتوما يتخلله البكاء: «يا ولداه! يا عم محمد!»
وبعد أن ذهبت نوبة بكائه، رفع رأسه وقال بعينين محمرتين وقد تذكر الرسميات: «مش مضيت له التصريح يا دكتور؟»
Shafi da ba'a sani ba