ووافقت على الزواج من نادر، لمركزه، ووسامته، وحسن ظنها بأخلاقه، وعاشت معه عمرا في شقة أنيقة بشارع حسن صبري بالزمالك وأنجبت له سميرة وراضية وصفاء، ولما تكشف لها انحرافه ثارت ثورة عنيفة لم يتوقعها الرجل من شريكة حياة. وقالت له بصراحتها الحادة: إني أرفض الاستمرار في معاشرة رجل تبين لي انحرافه.
وكانت سميرة تكره فكرة الطلاق وحاولت أن تقنعها بأنها ليست مسئولة عنه، وأنها يجب أن تزن عواقب تصميمها على بناتها، ولكن قالت لأمها: لقد سقط في نظري، ولا حيلة لي في ذلك.
وانتهى الخلاف بالطلاق، واحتفظت ببناتها معها في شقة الزمالك، وراحت تربيهن على مثالها، ولم تأسف قط على القرار الصارم الذي اتخذته. ومضت الأيام وآن للبنات أن تتزوج، وكان الزواج قد أصبح مشكلة غير قابلة للحل؛ لارتفاع تكاليفه وصعوبة الفوز بشقة، ولكن نادر ذلل كافة الصعوبات، فابتاع شقة لكل بنت وجهزهن على المستوى اللائق به. وقالت هنومة تعزي نفسها: إنه أبوهن والمسئول عنهن.
ولكنها لم تستطع أن تغفل عن الحقيقة المرة، وهي أنه لولا ماله الحرام ما تيسر لبنت منهن أن تستقر في بيت الزوجية. وتساءلت في أسى عميق: هل أصبحت الحياة الشريفة مستحيلة حقا؟!
حرف الواو
وحيدة حامد عمرو
بكرية حامد وشكيرة، ولدت ونشأت في سراي ميدان خيرت، ولعبت طفولتها في حديقتها المترامية الغناء، ووضح من الصغر ذكاؤها، إلى جمال مقبول، وروح مرحة غالتها رياح النكد. من قديم تشرب قلبها بالكآبة في مناخ الحياة الزوجية المسموم، وتمثلت أحزان أمها الدائمة حتى ترسب النفور من أبيها في أعماقها. ولم تجد في أخيها صالح أي عزاء لعنف خلقه وملاحقته الناس بأخطائهم كأنه الحسيب عليهم، ثم جاء الانشقاق بين جدها محمود وأخيه أحمد ليقضي على البقية الباقية لها من أمل في حياة يمكن أن تعد بشيء من التفاؤل أو السعادة. وترامت إليها عداوة أهل أبيها لأمها، وكلماتهم المدببة، بالإضافة إلى المآسي الكثيرة التي هصرت الفروع حتى سلمت بلا وعي منها بأن الحياة ما هي إلا سلسلة من الأحزان والانحرافات والانفعالات القاسية. ووجدت سلواها الوحيدة في الدراسة فتفوقت، والتحقت مثل خالتها نادرة بكلية الطب، وما إن وجدت فرصة للعمل في السعودية حتى ولت هاربة. وبعد أعوام الغربة كانت مفاجأة لأمها أن تتلقى منها رسالة تنبئها فيها بأنها ستتزوج من زميل باكستاني يعمل معها في نفس المستشفى.
وردة حمادة القناوي
هي الثالثة في ذرية صدرية وحمادة، ولدت ونشأت في خان جعفر، ولكنها عشقت البيت القديم بميدان بيت القاضي وتعلقت بجدتها راضية فبادلتها الجدة حبا بحب، وكانت تقول لصدرية عنها: وردة أجمل البنات، ولكن ميزتها الأولى في العقل.
وقد خطبت لابن عم أبيها الشاب وهي دون سن الزواج، ولكنها أصيبت بالملاريا، ولم تستطع المقاومة ففاضت روحها تاركة في قلب أمها جرحا لا يندمل.
Shafi da ba'a sani ba