فقبل مرغما وعقد زواجه عليها. وكان أخوه أدهم أول من علم. وكان أبوه الثاني. ولما حمل الخبر إلى سميحة ثارت ثورة وجم لها الخدم وتساءل الجيران. أما حسني فانتقل إلى شقة تملكها زوجته بشارع الهرم. وهناك قالت له: لم أهجر حياتي الفنية لأن السينما بدأت تعترف بأهميتي.
ولكن الظاهر أن طريق ذلك الاعتراف لم يكن ممهدا، وأن الأمر احتاج إلى أن ينشئ حسني شركة إنتاج سينمائي من أجل عبقرية زوجته. وشعر بأن أباه لا يوليه الثقة التي كان يحظى بها فطالب بنصيبه من رأس المال على أن يتفرغ لعمله الجديد. وحقق له أبوه رغبته وهو يقول له: ليكن ذلك سرا بيننا.
بذلك انفصل حسني تماما عن أمه، بل عن أسرته ... وأنتج لعجيبة فيلمين لم يستطيعا أن يخلقا منها شيئا يذكر. وترامت إليه أنباء عن علاقة مريبة بينها وبين ممثل أدوار ثانوية يدعى رشاد الجميل، فرصد لهما العيون حتى ضبطهما في شقة مفروشة بالعجوزة. واعتدى عليها بالضرب حتى قتلها، وحوكم، وقضي عليه بخمسة عشر عاما. وعرف أقرباؤه خبره مما نشرته الصحف وما كانوا قد سمعوا به من قبل. وأكثر من شخص منهم هتف: يا ألطاف الله، إنه ابن حازم بن سرور أفندي رحمه الله.
حكيم حسين قابيل
الناظر في عينيه الواسعتين العسليتين يبهره حسن تكوينهما، وقوة إشعاعهما، ورأسه الكبير غزير الشعر يضفي عليه مهابة. وهو الثالث في ترتيب ذرية سميرة بنت عمرو أفندي وزوجها حسين قابيل تاجر التحف بخان الخليلي. وكان شارع ابن خلدون مدرج طفولته وصباه حيث تقيم الأسرة بعمارة به، كما كانت حديقة الظاهر بيبرس ملعبه. وعلى ذكائه وتفوقه ولع منذ الصغر بالمقامرة؛ مارسها أولا في الدومينو والطاولة، وأخيرا في البوكر والكنكان.
كما عرف بصداقته الحميمية لجار من جيرانه تلازما في المرحلتين الابتدائية والثانوية، ثم اتجه حكيم إلى مدرسة التجارة على حين التحق الآخر بالكلية الحربية. وقد عرف حكيم أهل أمه جميعا، عمرو وسرور والمراكيبي وداود كما عرف أهل أبيه، وأدهش خاليه عامر وحامد بآرائه السياسية الرافضة أو شبه الرافضة للوضع كله. قال له حامد: إني أعتبر المعاهدة إنجازا مشرفا للوفد!
فقال حكيم: لا حصر لسلبياتها، ثم إني لا أومن بالأحزاب. - الإخوان تجار دين، ومصر الفتاة عملاء فاشيست! - ولا هؤلاء جميعا! - إذن، بماذا تؤمن؟ - لا شيء.
وضحك عامر ضحكة خفيفة فقال حامد: هذه نغمة نشاز في أسرتنا.
وتخرج حكيم في إبان الحرب العظمى الثانية، بعد وفاة والده بقليل، وتعين في مصلحة الضرائب، وما لبث أن أحب زميلة له تدعى سنية كرم فتزوج منها وأقاما في شقة بالعباسية الغربية ، وأنجب منها حسين وعمرو، ووعدت الحياة بخط روتيني معروف الأول والآخر. ولكن قامت ثورة يوليو وإذا بصديق عمره نجم من نجومها، وبذلك تفتق المستقبل عن أبعاد جديدة لم تجر لأحد في خاطر. وفي الوقت المناسب اختير حكيم في وظيفة إشرافية في إدارة التوزيع بإحدى الصحف الكبرى، ووثب مرتبه بجرة قلم من العشرات إلى المئات. ودوى مقامه في شجرة الأسرة من أسفلها إلى أعلاها. تاهت به أسرة سميرة، وسعد به آل عمرو رغم وفديتهم المهيضة، أما المعارضون من آل المراكيبي وداود فقد قالوا ساخرين: ذهب فساد متواضع وجاء فساد شره.
ولصلته بصديقه الحميم هابه حتى الوزراء وداهنه الأعداء والأصدقاء، وسرعان ما انتقل إلى شقة جديدة بالعباسية الشرقية، واقتنى سيارة وأصبح حقيقة من رجال العهد. وكان وفيا لأسرته ولأصدقائه، فمد يد المعاونة لخاله حامد ولابن خالته نادر، وبفضله عومل أخوه الأصغر سليم معاملة لم تخل من إنسانية عند التحقيق معه قبل سجنه، كما كان الوساطة الناجعة وراء تعيين كثيرين من أصدقائه حراسا عقب فرض الحراسة على من فرضت عليهم من الأسر. وظلت علاقته بصديقه الحميم كما كانت رغم استوائه قائدا بين القادة الجدد، فلا يمر أسبوع دون لقاء عائلي في قصر القائد يتبادلان فيه نجوى الحب والذكريات. وفي إحدى هذه المرات سأله بلا كلفة: أما آن الأوان لترشحني وزيرا؟
Shafi da ba'a sani ba