3
وهو في حالة لا تعرف هناء الفكر حتى يفكر في الهناء؛ بل هو كعالم التشريح: ينتظر كل يوم من القدر جثة هامدة ليخرج منها برهانا على حقيقة في علمه أو حقيقة لبرهان، فما أنت أيها القمر في رأي عينه على ما أنت إلا حجر ...
أيها القمر، كن لهم ما وصفوك، حتى إذا كفر بالله ملحد ألقمه الله منك (حجرا) وكنت للطبيعة وجه الحقيقة والإيمان كما أنت وجه الحب والجمال.
الفصل السادس
ولكن يا قمر السماء، ويا مثال النية البيضاء، بل يا شبيه كلمة الرضى المبتسمة على شفتي الحسناء، هل تغضب الطبيعة على قوم من أهلها وهي كالطفل الضاحك أبدا؟ وهل تعرف من الناس مؤمنين وملحدين وهي بجملتها شريعة الإيمان؟
أتعرف الحسناء الفاتنة من عسى أن يكون لها مبغضا، وإن عرفته فهل تراها مستيقنة معنى البغض كما يتحققه ذلك الخبيث من نفسه، وهي هي التي يلقي عليها الحب صلاته وسلامه، ويتخذ الحسن من ألحاظها إشارته وكلامه، ولا يقابلها الغرام أينما التفتت في الناس إلا بدمعة أو ابتسامة ؟
يقول الملحدون: إن الطبيعة الجميلة تغضب وتحنق؛ لأنهم لا يريدونها إلا خادمة فلا ينظرون إلى جمالها، بل إلى فعالها، ويقول المؤمنون الذين يرون في كل شيء مظهرا للإيمان: إن غضب الجميل نوع من جماله، فلتغضب الطبيعة ولتتورد الوجنات وليتطاير السحر من اللحظات ولينبعث الصوت الصارخ الرهيب من الروح بدون أن يصفه القلب، ليكن ذلك وما أشبه ذلك من روعة الغضب، فإننا نريد أن نبصر الحسن كيف يتحول في غضبه جليلا بديعا، كما رأيناه في الرضى لينا وديعا، وكيف تظهر فيه الروح قلقة لا تطمئن، كما ظهر فيه القلب يتأوه أو يئن، ونريد أن نرى ولو مرة واحدة انطباق صفتين جميلتين لم يفارقهما الابتسام، فإن ذلك منهما ولا غرو ابتسام جديد.
كل ما في الطبيعة جميل، غير أن الإنسان لم يتسع بعد في درس علم الجمال بمقدار ما يسع هذا العلم الجميل، فإن الأولين تهيبوا الطبيعة فعبدوها ولم يمسوها ولا بالفكر، ولم يقرءوا من أجزاء علم الجمال على كثرتها إلا جزءا واحدا أصابوه في أصل الخلقة وهو المرأة، وجاء المتأخرون فابتذلوا الطبيعة حتى ملوها، وكأنما أخذوها عن أوليتهم كما يأخذ القصاب بقرة البرهمي من المعبد إلى المذبح فلم يبق في أيديهم من أجزاء علم الجمال إلا الجزء الذي أصابوه في أصل الخلقة وهو المرأة.
بيد أنهم تفطنوا لمعان في هذا الجزء لم يتنبه لها آباؤهم الأولون فقليلا ما يكشفون عن حقائقها الطبيعية في أجزاء الجمال مما اشتملت عليه السماء والأرض تبيينا لما يلفتهم إليه الحب من المعاني المستغلقة في المرأة.
وكما أن العصفور الصغير في ريشه اللين يكاد لخفته يكون روح الهواء الذي يحيط بالأرض، كذلك تكاد المرأة الجميلة في وشيها الناعم تكون روح العالم الذي تحيط به الأرض؛ وكل شيء في الطبيعة يجعله الناس من المسائل النظرية التي يختلفون فيها؛ لأنها موضع الرأي، إلا جمال المرأة الرائعة الجمال، فهو وحده قاعدة التسليم في القلب الإنساني على الإطلاق، ويكاد الوجه الجميل يكون في بعض معانيه وجها حسنا للتوفيق بين الإيمان والإلحاد .
Shafi da ba'a sani ba