188

Hadisi Isa dan Hisham

حديث عيسى بن هشام

Nau'ikan

لا نزاع ولا جدال في أن ينابيع الثروة قد نضبت بذهاب تلك الأيام الماضية، التي يغتني الرجل فيها بكلمة ويثري بإشارة فيصبح بها أغنى الأغنياء بعد أن كان معدودا من الفقراء، ولقد وصل المصريون الآن إلى زمن كله ضيق وعسر ولم يبق من حكامهم من يقطع الأقطاع ويهب الضياع، وبقي الغني الحازم فيهم على الحال الخمول والانكماش لا يستثمر أمواله، ولا يستربح ثروته، وقد زادت الحاجات وتعددت وجوه المطالب يوما بعد يوم، فأصبح مضطرا إلى الإنفاق من تليده فسرى النقصان إلى رأس المال حتى إذا مضى لسبيله لم يترك لأهله وذريته، إلا ما يقوم بالكفاف وحده بعد توزعه بينهم، وكن على يقين أنه لا يمضي جيل واحد على هذه الحال إلا ويندثر بين المصريين ما بقي من بيوت المجد والغنى، واعلم أنه لم يبق أمامنا اليوم سوى بيت واحد هو منبع المنابع في الثروة والمال، وكنز الكنوز في الغنى واليسار؛ يقوم للمصريين مقام أعظم بيت من بيوت الحكام الذين كانوا ينعمون عليهم بالسيب والعطاء، ويدفعون عنهم الضراء بالسراء، وما يخفى عليك أنه بيت البورصة.

الغني :

اسكت ولا تذكر لي اسم البورصة، فقد سمعنا في هذه الأيام عن فعلها بفلان وفلان ما فيه عبرة للمعتبر وموعظة للمتدبر.

السمسار :

ألتمس من سعادتكم غض النظر عن الاستشهاد بفلان وفلان، فإن الخسارة لحقتهما من سوء رأيهما وشدة جهلهما، أما أحدهما فإنه كان يعتمد في المضاربة بأمواله على التفاؤل والتطير، وكان لا يأخذ إلا بكلام إحدى العرافتين: العرافة السودانية أو العرافة الإفرنجية، تلك بودعها، وهذه بورقها، ومن نوادره في الأخذ بالتفاؤل أنه سمع رجلا مجذوبا يصيح في الطريق بقوله: «اذهب يا يزيد» وكان لا يزال مترددا بين البيع والشراء لا يرجح بين الهبوط والصعود، فتفاءل بالكلمة واعتمد عليها وسار من توه إلى سمسار، فأمره أن يشتري له عشرين ألف قنطار، فنصحه وحاول أن يحوله عن رأيه فلم ينتصح ولم يتحول، وهبطت الأسعار في اليوم الثاني وتوالى هبوطها فكان ما كان من خسارته، وأما الثاني فكان جل اعتماده على الأخذ بأفكار أرباب الجرائد والثقة بالأخبار الكاذبة من الموظفين، ولم يعمل برأي السماسرة الذين هم أدرى الناس بوجوه المضاربة، وأعلمهم بطرق الصواب فيها.

الغني :

لن تزيدني والله براعتك في البيان والبرهان إلا ابتعادا عن مضاربة البورصة وعن أهوالها، ولا أعتبرها في نظري إلا أكبر باب من أبواب المقامرة، والمقامرة هي عين المخاطرة.

السمسار :

أما المخاطرة فهي لاصقة بالإنسان في كل حركة وسكون وملازمة لعمله في كل زمان ومكان، ومن أراد أن يتوقى الأخطار ويسلم من المخاوف، فلا يباشر عملا من الأعمال، والأولى له أن يترك هذا العالم إلى سواه، واسمح لي بآخر قول أقوله لك في هذا الباب وهو أنك أخبرتني بمقدار محصولك في هذا العام، وهو ثلاثة آلاف قنطار مخزونة عندك إلى اليوم، لم تبعها تربصا لصعود الأسعار، ولم تبال بما يلحق القطن في طول خزنه من نقص الوزن وما يتهدده من بقية الأخطار كالسرقة والحريق، فإذا كنت فضلت الانتظار لصعود الأسعار على هذه الحال في ثلاثة آلاف قنطار، فما الذي يمنعك عن مثل هذا العمل في ثلاثين ألف من «الكونتراتات» دون كلفة ولا مشقة، كالتي احتملتها في استخراج المحصول؟ فإنك لا تدفع هنا ثمن أرض ولا تنفق على حرث ولا تؤدي ضريبة، ولا تبذل ماء وجهك لري الأطيان، ولا تحني ظهرك لأصاغر الحكام، وما دخلت في قضية ولا وقعت في منازعة ولا تخوفت شيئا من الآفات، سماوية كانت أم أرضية، بل هو ربح يأتيك عفوا صفوا ولا رأس مال له سوى أربعة حروف أو خمسة تخطها بيمينك في التوقيع.

الغني :

Shafi da ba'a sani ba