175

Hadisi Isa dan Hisham

حديث عيسى بن هشام

Nau'ikan

7

والبطنة بالفطنة، فاختلط الحابل بالنابل، والعالي بالسافل، والرفيع بالوضيع، والأمير بالحقير، هذا يمزح، ويقهقه، وذاك يتمتم ويتهته، والآخر يقيء طعاما، وسواه يقيء كلاما، ولم نسمع بينهم من قول يفهم ويعقل، أو حديث يؤثر وينقل، إلا ما سمعناه يدور بين شاب متكلف متصنع، وكهل مجرب متضلع.

الكهل :

أليس من أسوأ الأسواء وشر البلاء ما نراه من حال هذا الصعيدي صاحب العرس كيف اعتزل سنة آبائه وأجداده، وانسلخ عن مألوف العادة في قومه ودياره وطفر طفرة واحدة إلى العمل بعادات الغربيين والتقليد لبدع الإفرنج، فجرى في الاحتفال بالعرس على نمطهم وأسلوبهم مع جهله بها، وعدم ملاءمتها لطبعه، وكيف لا يرثى لحال هذا المسكين وقد أنفق جانبا عظيما من أمواله لإقامة المهرجان على هذا الطراز الغريب عن ذوقه، فهو في حيرة وذهول لا يدري ما صنع، ولا يعلم ما يفعل في وسط هذه السوق القائمة والزحام الهائل، وانظر إلى مقدار السخط النازل فوقه والاعتراض المصبوب عليه من أكثر الذين دعاهم ليرضيهم بعمله، ويكرمهم بحسن صنعه بعد أن تكلف لهم ما يفوق الطاقة، وارتكب ما يخالف العادة، ثم اشهد معي بأنه أساء إلى نفسه وجنى على أهله.

الشاب :

ما أراه إلا أنه أحسن صنعا وأجاد عملا، وأخذ بالسنن الأرشد في التحلي بشعار المدنية والتعلق بأسباب الترقي في الحضارة، وقد آن أن يستوي أهل الأرياف بأهل المدن في السير على النهج الغربي لهوا كان ذلك أو جدا، وأن يخلعوا عن رقابهم أغلال العادات العتيقة وربقة الأفكار القديمة، فترتفع الأمة وتنتفع البلاد.

الكهل :

أي نفع يرتجى لأهل البلاد بخراب البيوت ودمار الدور، ولئن امتد الزمن قليلا على عمد الأرياف وأعيانها وهم يرسلون بأبنائهم إلى البلاد الأوروبية، ثم يهجرون مساكنهم ومساكن آبائهم، ويتركون مزارعهم ومرافقهم ليسكنوا معهم عاصمة البلاد بعد عودتهم ويتخلقوا بأخلاق الغربيين ويتبرأوا من كل ما كانوا فيه من قديم وعتيق؛ لم تلبث الأموال أن تذهب ضياعا، والدور أن تمسي خرابا، وأن تصبح المزارع بأيدي الأجانب الذين يقلدونهم في امتلاك الأطيان وزراعة الأراضي، كما يقلدونهم هم في باطل المدنية وزخرف معيشتها.

الشاب :

أظنك كنت تريد أن يقام الاحتفال بزواج هذا الشاب المتمدين بين الأحواض والمستنقعات في قرية أبيه، وبين الأوباش والهمج من فلاحيه ومزارعيه، فيبدل المقاصير بالخيام، والكهرباء بالمشاعل، و«البوفيه» بالسماط، والصحاف بالقصاع، والأباريق بالجرار، و«الديند» بالدفين، و«المايونيز» بالعصيد والهليون بالفول، وعش الغراب بالحلبة، و«الموستاردا» بالمش، و«المربى» بالرطب، و«المانجو» بالدوم، و«التكريز» بالجميز، و«الشمبانيا» بالمزهر، و«الكاب» بالحليب، و«الكنياك» بعرق البلح، والموسيقى بالمزمار، والأوتار بالأذكار، و«البيانو» بالأرغول، و«الأوركستر» بالرباب، و«الباللو» بالسحجة، و«مس أوستن» ببنت أم شنب، وموكب الزفاف بلعب الهوارة، ثم يدعو مشايخ العربان بدل القناصل العظام، ونظار الزراعة بدل نظار الحكومة، وكتبة المراكز والصيارف، بدل أمراء البورصة والمصارف، ويضع على رءوسهم سعف النخيل والعراجين، بدل أكاليل الأزهار والرياحين.

Shafi da ba'a sani ba