138

Hadisi Isa dan Hisham

حديث عيسى بن هشام

Nau'ikan

عيسى بن هشام :

قد استغنى كبراؤنا وأمراؤنا اليوم عن تزيين مجالسهم بالعلم والأدب، وقصروا هممهم فيها على التفاخر بالمقتنيات المزخرفة والأدوات المصنعة من عمل الغربيين، فترى الكبير أو العظيم يقلب في يده العصا المضيئة بالكهرباء مثلا أو الساعة التي ترن بعدد الثواني وهو يعتقد أنها أجل قيمة في العين، وأجمل أثرا في النفس من جميع العلوم التي تستضيء العقول بممارستها، ومن جميع الكتب التي تصفو ساعات الحياة بمطالعتها، ولا تتوهمن أنني أجزم لك بخلو هذا الزمن عن مجالس للعلم ومحافل للأدب، وما كان كلامي إلا على الوجه الأعم، وقد آن أن أجيبك إلى ما طلبت فأزور بك بعض المجالس والمحافل لينقطع ريبك، وليطمئن قلبك.

الأعيان والتجار

قال عيسى بن هشام: واستنهضت الباشا أزور به مجلسا من تلك المجالس المعدودة، والأندية المعقودة، مجلس الوجهاء والتجار، أهل الصيت المرتفع في الأمصار، فشهدت منه ازورارا وانقباضا، ووجدت فيه انحرافا وإعراضا، ثم التفت إلي يعاتبني عتابا شديدا، ويوسعني عذلا وتفنيدا، ويقول لي: ما عهدت منك منذ صاحبتك إلا الخير لي تريده، والنفع تبدؤه وتعيده، وما زلت أشكر لك تلك اليد البيضاء في العزلة عن الناس والتخلص من مواقف القضاء، دفعا لما كنت تحذر وتخشى من شر الخاتمة وسوء العقبى بتزاحم الأحزان، وتراكم الأشجان، وما تعقبه من السقم والاعتلال، وسوء النكسة بعد النقه والإبلال،

1

فما بالك تستنهضني إلى مثل هذه المجالس والمجامع.

وربما كان فيها ما يؤذي العيون وينفر المسامع، وقد شاهدتني يكاد يصيبني التلف، من شدة الحزن والأسف، فقلت: أشهد الله ما أبغي لك إلا الخير والتوفيق، في كل مذهب وطريق، وقد رأيت التجارب أوسعتك كرما وحلما، وصروف الدهر أكسبتك معرفة وعلما، بعد قلة الاختيار ، وكثرة الاغترار، وسوء الابتدار، في الإيراد والإصدار، وما كان فيك من خشونة الملمس، وشموخ الأنف، وضيق العطن، وصلف الرأي، وما أحب لك بعد ذلك أن ترى في أمور الناس إلا مشهدا يسلي عن الكرب، وملعبا يفرج عن القلب، فلا يكن نظرك إلى أعمالهم في غدوهم ورواحهم وفي أفراحهم وأتراحهم، ونعيمهم وبؤسهم، ورجائهم ويأسهم، مثل نظر الحكيم «هيراقليط»، بل مثل نظر الحكيم «ديموقريط»، كان الأول يشاهد أمور الناس فيبكي ويتحسر، وكان الثاني يراها فيضحك ويسخر، فإذا أنشد أحدهما في نصرة مذهبه:

الناس من دنياهم في مأتم

فالسحب تبكي والرواعد تندب

أنشد الثاني في تأييد مشربه:

Shafi da ba'a sani ba