أما المخلصون الصالحون فيصبحون هم الخائنين المفسدين، وهكذا تنقلب الأوضاع، فيبعد الصالحون عن الأعمال التي تهيئوا إليها، ويقوم بها الدخلاء.
هذه هي الأحاديث التي كان يتداول بها شبابنا الثلاثة، ويتناقشون منفردين أو مع رفاق لهم، أو في حلقة الأستاذ الحكيم في أوقات مختلفة من تلك الفترة، وكثيرا ما تداولوا مستغربين الطرق التي استعملت لإيغار صدر الملك على مشيره الأول بعد أن سبق وسلمه كل أمره، فأصبح وليس له من الأمر شيء، يتعذر عليه أن يدخل على مليك أخلص له الخدمة كل حياته، وكانت في نفسه أشياء وأشياء ينقذ إعلانها الموقف، ولكن ذكاء الاستغلال حال بينه وبين مليكه.
والأستاذ الحكيم ماذا صنع؟ ولم اشتدت عليه المراقبة؟ وهناك رجال مخلصون توعدهم أذكياء الاستغلال ثم منوهم، فإذا هم في حالة استهواء يترنح بين الترغيب والترهيب، فينقلبون على أستاذهم، وبلغت الوقاحة في لؤم البعض منهم أن وشى به، وألصق به ما أراده أولئك من تهم هو براء منها، ولكنه المشعوذ أخذ يحقق ما أوعد به من إرجاف؛ ليقتل الأستاذ الحكيم قتلا أدبيا، قد يؤدي إلى التخلص منه دون ضجة ولا عنف، بل وبإرادة المغفلين من الشعب، فيصيبه ما أصاب الشهداء؛ شهداء المبادئ، شهداء حب الإنسان، شهداء التضحية والنصح من اضطهاد صارم خلدهم على الدهر، وكان الوسيلة لانتشار المبدأ، ولتحقق هدف الضحية في حب الإنسان، فكانوا الأحياء حقا بين أموات يتوهمون أنهم أحياء.
وفي انعطاف الحديث في هذا الاتجاه في يوم من أيام الشهر السادس الأخيرة، سأل أحد الشابين التلميذ قائلا: والتاج، هل انتهى المشعوذ من صنعه؟
التلميذ :
والله إنني في حيرة من أمر هذا الساحر وفي أمر تاجه.
أراه لا يفعل شيئا، يقضي بعض أوقاته في استقبال أوليائه وأتباعه، يحدثهم عن مستقبل باهر قريب، ويعدهم ويمنيهم ليكونوا له من الصادقين، ويمضي القسم الآخر في الولائم والحفلات والدس والمؤتمرات في قصور بعض أركان الدولة، وفي دور المتنفذين المستغلين، ثم ينام ليله وغطيطه يملأ الدار، ولا يستيقظ إلا بعد الضحى، وقد أصبحت ردهة الاستقبال تعج بالمنتظرين، فيصبحونه بالتملق والتذلل وتكرار عبارات التأليه والولاء والاستعباد، جرا لمغنم أو درءا لمغرم، وأكاد أجن مما يكال لي من هذا المديح والثناء والإطراء؛ لأسهل لهم شرف تقبيل يدي الأستاذ الجليل، أما مصالح الأمة ورفاه الناس وقطع دابر الظلم والإسراف والتحرير من العبوديات، وإيصال صاحب الحق إلى حقه، فهي من الكلمات التي يسرف في استعمالها في خطب يلقيها من وقت إلى آخر بمناسبة ودون مناسبة، ليخدع بها عقول الناس، ويستخدمها تغطية لآثامه، ولم أجد أي أثر لأي عمل يقوم به في صنع التاج المنتظر، وقد أصبح حديث الناس.
الثاني :
لعله يعتمد على أحد مهرة الصاغة، ثم يلبسه ثوبه السحري، فيبهر عيون الناس.
أحدهما :
Shafi da ba'a sani ba