م :
وما هي أخبار شداد؟ وإلى أي حد وصل طموح ذلك الشاب المسرف على نفسه بالعرش؟
و :
ليس لشداد أية أهمية بعد أن قهر، وذاق من سيف النقمة ما ذاق، وهو يعلم أن المملكة لا تزال على سطوتها، وأن أي تمرد منه يقمع بالقوة دون تردد، أما ابن أخيك فهو شاب شغلته ملذاته وشهواته عن كل طموح، فلا خوف منه مطلقا، وما يتخذه صاحب الجلالة في رده إلى الصراط المستقيم وفي إعادته إلى أخلاق آبائه وأجداده من وسائل، إنما هي في طريق النجاح، وإني ساهر عليه تنفيذا لأوامر جلالتكم السامية.
ولم يكد يبلغ وزير الميمنة في حديثه هذا الحد، حتى كان صبر وزير الميسرة قد نفد، ولا سيما حين رأى هزات رءوس أكثر الأعضاء تشير بالموافقة، فوقف واستأذن الملك طالبا الكلام فأذن له.
و. الميسرة :
إنني أرى أن أخي وزير الميمنة مسرف في تفاؤله، وقد فقد الناس اطمئنانهم وراحتهم، وأطماع شداد تزداد يقظة، وابن أخيكم يزداد طمعا بالعرش، ولا أدري من وراءه؛ لأنه كما ألمح أخي وزير الميمنة أصغر شأنا وأضعف نفسا من أن يطمح إلى المعالي، ومن أن يفكر في الاغتصاب، وليسمح لي صاحب الجلالة المفدى بأن أكون صريحا، وهو يعلم إخلاصي وبلائي، والصراحة أصل الإصلاح، فأقول: إن العرش في خطر.
وما سمع الملك كلمات الإنذار بانهيار العرش تصدر عن وزير الميسرة، حتى اربد وجهه، وظهر عليه غضب الارتباك والاضطراب، وضج المجلس بين مؤيد ومعارض، ولكن المؤيدين كانوا القلة، وكان منهم قائد الجيش، وإلا لما كان رأس هذا الوزير الوقح يظل على جسده، فبين شفتي الملوك كانت كلمة الحياة والموت دون محاكمة ولا دفاع، وما عرفنا في عهود الطغيان والاستبداد قديما ملكا يجلس إلا وسيافه وراءه والنطع بجانبه.
هدأت بعد هنيهة ثائرة الملك، وقوة الجيش تخيف الملوك فتسكن أعصابهم، والتفت إلى وزير الميسرة يسأله عن الأدلة، فأجاب: لا يزال الشعور يسبق الأدلة، وهذه ليست متوفرة اليوم لأخذ المجرم بجرمه وإلقاء القبض عليه في الجرم المشهود، وإنني على رأي مليكي في عدم الأخذ بالشبهة، ولكن تقارير الجواسيس تدل على اضطراب نفوس الشعب وعلى تألمه من هذا النوع من التجسس أولا، ثم إن الناس يجدون أنه لم ينقذهم من الظلم؛ فأكثر المختارين للحكم على الرغم مما يلقيه الجواسيس من أخبار، ومع العناية التامة التي تصرف لاختيار الجواسيس والحكام، لا يعدلون في الرعية، فأنا لا أزال أصر على رأيي في أن أبناء الحلال لا تتحقق بنوتهم هذه بالولادة الأولى، إنما هي تتحقق في ولادتهم الثانية، في تفاعلهم مع المجتمع؛ أي بالتربية، فعلينا أن نعنى بتربية الناس، وأن نستقصي البحث عن أبناء الحلال في أعمالهم، وأن ننقذهم من نكبات التجسس وويلاته، فالحكم الصالح لا يتجسس خفايا أعمال الناس، ولا يتدخل في حياتهم الخاصة، بل يساعدهم على السمو بنفوسهم بفضل ما يكون بينه وبين الرعية من تبادل الثقة، يجب أن يشعر الناس أنهم أحرار ليأمن الملوك والحكام شرهم، يجب أن يشعر الناس بتكافؤ الفرص وعدم التمييز بين الطبقات؛ ليشغلوا عن الشرور بانصرافهم للعمل المنتج، لم يترك وزير الميمنة لوزير الميسرة مجال إتمام الحديث، بل قاطعه والتفت إلى الملك وقال: يا مولاي! إنها الثورة يقودها وزير الميسرة، فرد وزير الميسرة وقال: بل هو يا مولاي، انهيار العرش وخراب المملكة يدبرهما وزير الميمنة، إنها الثورة، أقودها بفخر للملك لا عليه، ولحفظ المملكة لا لخرابها، إنها الثورة على الطامعين الجشعين، وعلى من يعمل لانهيار الأمة، وقد ضحت بالغالي والنفيس، وأهرقت دماءها في سبيل تحقيق أمجاد الملك العادل العظيم، رمز حياة المملكة.
وزير الميمنة :
Shafi da ba'a sani ba