الفصل الثاني
صلات الهند القديمة بالغرب
تاريخ الغزوات الأوربية - كيف فتحت الهند (1) صلات الهند بأوروبا في القرون القديمة والقرون الوسطى
كانت أوروبا والهند تتبادلان سلعهما منذ أقدم القرون، ولكن بطرق عرضية، وذانك العالمان، وإن كانا يتقايضان، لم يتعارفا، وتلك الصلات كانت تتم إما بطريق آسية الوسطى بعد أن تجوب السلع الهندية بلاد التتر وبلاد فارس وإما بطريق مصر بعد أن تقطع هذه السلع البحر الأحمر مارة من الخليج الفارسي وسواحل بلاد العرب، والعرب وحدهم كانوا واسطة هذه المقايضات، وظل سكان اليمن الذين كانوا يعرفون بأهل سبأ محتكرين لها زمنا طويلا، وكان تجار مصر، بعد وفاة الإسكندر ب 150 سنة، ينالون سلع الهند بواسطة هؤلاء العرب.
وطرق اتصال العرب بالهند كانت ثلاثا، كانت إحداها برية والأخريان بحريتين، فأما الطريق البرية فكانت تصل بواسطة القوافل أعظم مراكز الشرق كسمرقند ودمشق وبغداد وغيرها بالهند مارة ببلاد الفرس وكشمير، وأما الطريق البحرية فكانت أكثر استطراقا، فكان التجار الذين يسلكونها يأتون إلى موانئ الخليج الفارسي حيث يتسلمون سلع الهند لينقلوها إلى البحر الأحمر محاذين سواحل بلاد العرب، ومن البحر الأحمر كانت تلك السلع تنقل إلى الإسكندرية حيث كان الفينيقيون ثم التجار الأوربيون من جنوه وبيزه والبندقية يأخذونها ليوزعوها بين مرافئ البحر المتوسط، فكانت مصر، بذلك، خط وصل بين الشرق والغرب، وكانت تلك التجارة مصدر ثروتها المهم.
صلات الفرس بالهند كانت أولى الصلات لا ريب، فنعلم مما ذكره هيرودتس الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد أن دارا بن هستسب «أراد أن يعرف البحر الذي يصب فيه نهر السند» فأرسل بعثة بقيادة سيلاكس فسارت هذه البعثة من جوار أتك الواقعة على ضفاف نهر السند مع هذا النهر إلى البحر، ثم أبحرت إلى الغرب فوصلت إلى البحر الأحمر بعد سفر دام ثلاثين شهرا «فبعد أن تمت هذه الرحلة البحرية أخضع دارا الهنود وبسط سيادته على ذلك البحر.»
ولم يكن الهنود الذين حكى عنهم هيردوتس فكانوا يدفعون إلى دارا الأتاوى،
1
كما تشهد به الكتابات المسمارية، إلا من الهمج المجاورين لنهر السند، فنعلم مما رواه هيرودتس أن من عاداتهم أكل أقربائهم وأصدقائهم إذا مرضوا «وعد نسائهم من الأنعام»، ومن المحتمل أن دامت تلك الصلات في عهد خلفاء دارا، ودليلنا على ذلك وجود أفيال في جيش ملك الفرس دارا قزمان حينما غلبه الإسكندر سنة 330 قبل الميلاد.
ولم يغد أمر الهند معروفا بعض المعرفة إلا بعد غزو الإسكندر سنة 327 قبل الميلاد، وكاد هذا البطل المقدوني لا يمسها، فلم يوغل فيما هو أبعد من نهر السند، ولم يبق أحد من جنوده في الهند بعد عشر سنين من حملته، فأسفرت هذه الحملة عن لفت الأنظار إلى الهند بعد أن كان أمرها مجهولا تقريبا.
Shafi da ba'a sani ba