قضي على دولة العرب وحضارتها في إسپانية التي ملكوها نحو ثمانمائة سنة، وذلك أن فردياند استولى على عاصمة العرب الأخيرة غرناطة في سنة 1492م، وأنه أخذ يمعن في قتلهم وتشريدهم جماعات جماعات، وأن خلفاءه ساروا على سنته، وأنه قتل من العرب وشرد ثلاثة ملايين نفس، فخبت إلى الأبد شعلة حضارة العرب التي كانت تنير أوربة منذ ثمانية قرون.
وكانت خاتمة دولة العرب في القرن التاسع من الهجرة، ولم يبق للعرب في الشرق من الشأن الكبير في غير دينهم ولغتهم وحضارتهم، وحاولت الأمم التي قهرت العرب أن تسير على نحو العرب كما صنع البرابرة الذين قهروا الرومان، فأحلت الهلال باسم القرآن محل الصليب في القسطنطينية التي كانت عاصمة الروم، فارتعدت فرائص العالم النصراني فرقا من ذلك.
ولكن الترك، وإن كانوا أهل حرب وقتال، لم يكونوا أهلا ليصعدوا في سلم الحضارة، ولم يقدروا على الانتفاع بتراث العرب المغلوبين الثقافي، فضلا عن إنمائه، ويقول العرب: «لا ينبت العشب على أرض يطأها الترك»، والحق أنه لم ينبت، فسترى في فصل آخر دركة الانحطاط التي هبطت إليها دولة العرب القديمة بسرعة بين أيدي سادتها الجدد.
هوامش
الباب الثالث
دولة العرب
الفصل الأول
العرب في سورية
(1) اختلاف البيئات التي لاقاها العرب
وقفنا هذا الفصل وما يليه في فصول هذا الباب على البحث في شأن العرب في مختلف البلدان التي استولوا عليها، وغايتنا من ذلك بيان حضارة العرب بيانا مجملا، وإيضاح تأثيرهم في الأمم التي عاشروها، وتأثير هذه الأمم فيهم، ونرى أن نقدر حضارة العرب بالبحث في آثارهم في كل بلد افتتحوه، فإذا تيسر لنا ذلك أمكننا أن ندرس، في فصول هذا الكتاب، مختلف العناصر التي تتألف من مجموعها حضارة العرب.
Shafi da ba'a sani ba