ولم يجمع القرآن نهائيا إلا بعد وفاة محمد، وبيان الأمر أن محمدا كان يتلقى في حياته عدة نصوص عن الأمر الواحد ، فلما انقضت عدة سنين على وفاته حمل خليفته الرابع
1
على قبول نص نهائي للقرآن مقابلا بين ما جمعه أصحاب الرسول.
والقرآن مؤلف من مائة وأربع عشرة سورة، وكل سورة مؤلفة من آيات، ومحمد هو الذي يتحدث فيها باسم الله على الدوام.
ويعد العرب القرآن أفصح كتاب عرفه الإنسان، ومع ما في هذا من مبالغة شرقية نعترف بأن في القرآن آيات موزونة رائعة لم يسبقه إليها كتاب ديني آخر.
وتقرب فكرة الكون الفلسفية في القرآن مما في الديانتين الساميتين العظيمتين اللتين ظهرتا قبل الإسلام، أي اليهودية والنصرانية، وزعم أن العنعنات الآرية الفارسية أو الهندية ذات نصيب ظاهر في النصرانية والإسلام، ونحن نرى النفوذ الآري في الإسلام ضعيفا جدا.
ولم يكن محمد فيلسوفا كبيرا، أي من المفكرين المتبحرين الذين يقاسون بمؤسسي البرهمية والبدهية، فهو لم ينكر سبب الأسباب كما أنكره البدهيون، ولم يقل مثلهم بأن الكون موجود بالضرورة ذو انحلال وتركيب دائمين، ولم يتصف بنصف ما عند مؤلفي كتب البراهمة المقدسة من الشك، ولم يدخل إلى القرآن مثل التأملات الآتية التي تجدها في كتب الويدا: «من أين أتى هذا الكون؟ أهو من صنع خالق أم لا؟ يعلم ذلك من ينظر من فوق الفلك، وقد لا يعلم.»
2
ولكن أقوالا مجردة مثل هذه لا تنفع غير الفلاسفة، ومحمد لم يزعم أنه يكتب من أجل الفلاسفة، وكان من مقاصد محمد أن يقيم دينا سهلا يستمرئه قومه، وقد وفق لذلك حين أخذ من الأديان الأخرى ما يلائمهم، ولم يفكر محمد في إبداع دين جديد قط، وهو الذي أعلن أنه يسير على غرار من تقدمه من أنبياء بني إسرائيل من إبراهيم إلى عيسى قائلا إن ما أوحي إليهم صحيح، والحق أن اليهودية والنصرانية والإسلام فروع ثلاثة لأصل واحد، وأنها ذات قربى وشيجة.
والدين الذي دعا النبي إليه الناس سهل جدا، وقد عرفه محمد بالكلمات القليلة الآتية حين أتاه جبريل بزي العرب وسأله عنه، وهي: «أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا»، وهذا التعريف الذي قبله جبريل تام كما هو واضح.
Shafi da ba'a sani ba