178

Al'adun Larabawa

حضارة العرب

Nau'ikan

ومع أن إقامة العرب بفرنسة نشأت عن بعض السرايا نراهم قد تركوا أثرا عميقا في اللغة وفي الدم كما نذكر ذلك في فصل آخر، وذلك أنه استقر أناس كثيرون منهم بالأرضين القريبة من المدن التي استولوا عليها وتعاطوا فيها أمور الزراعة والصناعة، وأنهم أدخلوا صناعة البسط إلى أبوسون، وأنهم أدخلوا كثيرا من أساليب الفلاحة كما عزي إليهم، وأنهم امتزجوا بسكان البلاد بسبب محالفاتهم الكثيرة لأمراء النصارى الإقطاعيين المتقاتلين على الدوام، وأنه وجد حفدة للعرب في أماكن كثيرة من بلاد فرنسة كالمقاطعات: كروز والألب الأعلى ومونتمور (جبل المغاربة) وبنيو (شارانت) وبعض قرى لاند وروسيون ولنغدوكة وبيارن كما أثبت ذلك علم وصف الإنسان، فيمكن الإنسان أن يعرفهم بجلودهم السمر وشعورهم السود وأنوفهم القنو وعيونهم الثاقبة اللامعة، ويمكن المرء أن يعرف نساءهم بألوانهن الزيتية ووجوههن الأسيلة وأعينهن النجل الدعج وحواجبهن الزج وصدورهن الناهدة ... إلخ، وإذا كانت هذه الصفات قد ظلت باقية فلم تمح بغرقها في صفات السكان المجاورين، تبعا للسنن الإنتروپولوجية التي بيناها، فلأن حفدة العرب أولئك ألفوا جماعات صغيرة منفصلة عن بقية الأهلين غير متصلة بهم بصلات التوالد.

شكل 7-7: قرب عربية (من صورة فوتوغرافية التقطها المؤلف).

انتهينا من تاريخ العرب في مختلف الأقطار التي دانت للإسلام، وعلمنا درجة اختلاف هذا التاريخ باختلاف البيئات التي أقاموا بها وبحسب مقاصدهم من الاستيلاء عليها، ورأينا أنهم ذوو أثر بالغ في تمدين الأقطار التي خضعت لهم خلا فرنسة على ما يحتمل، وأن كل بلد خفقت فوقه راية النبي تحول بسرعة، فازدهرت فيه العلوم والفنون والآداب والصناعة والزراعة أيما ازدهار.

ولندع جانبا بياننا المجمل الذي اقتصرنا عليه حتى الآن، ولنبدأ بتفصيل تاريخ حضارة العرب ودرس مبتكراتهم في مختلف المعارف البشرية التي زاولوها، فمهما يكن تاريخ إحدى الأمم السياسي مبهما أو زاهرا، فإن شأن هذه الأمة الحقيقي في العالم يقاس باكتشافاتها وتأثيرها في ميدان الحضارة.

هوامش

الفصل الثامن

اصطراع النصرانية والإسلام

الحروب الصليبية (1) منشأ الحروب الصليبية

كان سلطان العرب السياسي في أواخر القرن الحادي عشر من الميلاد، أي في الدور الأول من الحروب الصليبية، في طور الانحطاط، وإن لم يذو نفوذ اسمهم في العالم، فقد كانت إفريقية وإسپانية قبضتهم، ولم يتقادم بعد الزمن الذي كانوا فيه سادة البحر المتوسط وسادة جزء من فرنسة وملوكا لصقلية، والذي أوغلوا فيه حتى رومة فأكرهوا البابا على دفع جزية إليهم، ولم يصل قياصرة الرومان في إبان مجدهم إلى ما وصل إليه اسم محمد من إلقاء الرعب في برابرة أوربة، فهجوم أوربة النصرانية على الإسلام الذي كانت فرائص العالم ترتجف فرقا منه منذ خمسة قرون، وذلك في عقر داره، من الأعمال العظيمة التي كانت تتطلب حماسة دينية بالغة، واعتمادا كبيرا على الرب، وجيشا مؤلفا من مليون جندي.

وكل يعلم كيف أجاب العالم النصراني دعوة ذلك المجذوب، وكيف انقضت أمم على الشرق، وكيف أن سوق تلك الجيوش الهائلة لم يؤد إلى غير نصر وهمي، وكيف فلت عزيمة مجاهدي النصارى الذين لم ينقطع سيلهم مدة قرنين من أجل فتح القدس، والمحافظة عليها أمام هلال الإسلام.

Shafi da ba'a sani ba