176

Al'adun Larabawa

حضارة العرب

Nau'ikan

شن العرب غارات كثيرة على فرنسة بعد فتحهم إسپانية، ولم يقع ما يدل على أنهم كانوا يريدون الإقامة الجدية بفرنسة، وفسر هذا بعدم ملاءمة المناطق الباردة لهم.

والحق أن الرخاء كان يصبح حليف العرب في المناطق المعتدلة الجنوبية، وأن العرب استقروا بأقصى جنوب فرنسة زمنا طويلا.

وكان يملك بلاد فرنسة، حين ظهر فيها العرب في القرن الثامن من الميلاد، أمراء يعرفون بالملوك الكسالى، وكانت تأكلها الفوضى الإقطاعية، وكانت مستعدة لتكون غنيمة لغزاة العرب الذين استولوا على أكثر مدنها الجنوبية بسهولة، ودخل العرب قرقشونة ونيم وليون وماكون وأوتون ... إلخ، بالتتابع بعد أن فتحوا أربونة من إقليم لنغدوكة، وحاصروا في سنة 721م مدينة طلوشة التي كانت عاصمة أكيتانية على غير جدوى، وانتشر العرب في جميع وادي الرون وفي دوفينة وبورغونية.

واستولى العرب بالتدريج على نصف فرنسة الحاضرة الذي يبدأ من ضفاف نهر اللوار وينتهي إلى مقاطعة فرنش كونته، ولم يقصد العرب الاستقرار بتلك البلاد، بل اكتفوا باحتلال بعض المراكز المهمة؛ لتكون قواعد يستطيعون أن يشنوا منها غارات جديدة على بعض البقاع حيث يأملون أن يجدوا ما يغنمون.

وأهم تلك الغارات هي التي كانت بقيادة عبد الرحمن الغافقي فوقفها شارل مارتل (قارلة) بالقرب من پواتيه سنة 732م.

جمع عبد الرحمن الغافقي جيشا على شيء من الأهمية في إسپانية وعبر نهر الغارون، واستولى على بوردو (برديل) على الرغم من دفاع الأكيتان والڨاسكون الذين كان يقودهم دوك أوديس، ثم توجه إلى پواتيه فاستغاث دوك أوديس بشارل مارتل الذي كان يلقب بأمير القصر، ويمارس السلطة باسم ملكين ضعيفين من ملوك الميروڨنجيين في المقاطعتين: أسترازية ونسطرية.

وروى أحد مؤرخي العرب أن كثيرا من سنيورات الفرنج اشتكوا إلى شارل مارتل من الأضرار التي أحدثها المسلمون، ومن الخزي الذي يمكن أن يصيب البلاد من جراء دحر أناس غير مدربين، وغير حاملين سلاحا كافيا؛ لمحاربين مجهزين بالدروع وبعدة الحرب الكاملة، فأجابهم شارل مارتل قائلا: «دعوهم يصنعوا ما يشاءون، فهم الآن مستأسدون، وهم كالسيل الذي يأتي على كل ما يعترضه، وما عندهم من الحماسة والشجاعة يقوم مقام الدروع والحصون، ولكنهم إذا ما أثقلتهم الغنائم، وطاب لهم المقام بالبيوت الجميلة، وألفوا رفاهية العيش، واستحوذ الطمع على قادتهم، ودب الشقاق في صفوفهم - زحفنا عليهم واثقين من النصر.»

شكل 7-5: إبريق عربي مصنوع من البلور في القرن العاشر من الميلاد (متحف اللوفر، صورة أخذت من جريدة الفنون الجميلة).

أجل، كان رأي شارل مارتل صائبا، غير أن الرعب الذي ألقاه العرب في القلوب كان من الشدة ما تركوا معه ينهبون البلاد التي قطعوها بدلا من محاولة وقفهم.

واستطاع عبد الرحمن الغافقي أن يسير، إذن، منتصرا غير هياب إلى الأمام، وأن يخرب الحقول الخصبة الواقعة بين مدينة بوردو ومدينة تور، وأن يأخذ غنائم كثيرة من المدن، ونحن إذا علمنا أنه لم يكن من عادة العرب أن ينهبوا البلدان التي يرغبون في استيطانها، كما ذكرنا ذلك غير مرة، رأينا أن سلوك عبد الرحمن الغافقي يدل على أنه، بدخوله فرنسة، لم يفكر في غير الغنائم، ويتجلى لنا ذلك عندما نعلم أن العرب ، حينما وصلوا إلى مدينة تور، كانوا مثقلين بالغنائم وأنهم لم يستطيعوا التقدم إلا بمشقة، وأن عبد الرحمن الغافقي لما علم زحف شارل مارتل الذي جمع جيشا من الممالك المتحدة تحت لواء كلوڨيس فيما سلف، فكر في الارتداد فنزل إلى پواتية واضطر إلى منازلة شارل مارتل الذي كان يتعقبه.

Shafi da ba'a sani ba