ونجد لذلك نظيرا في بلاد الشام، فإن عددا عظيما من السريان يكتب لغته بالحرف العربي، ويسمون هذه الكتابة «القلم الكرشوني»، وكذلك أهل مدقسكر، وأهل جزائر ملايو، وأهل موزنبيق، فإنهم يكتبون لغاتهم بالحروف العربية مع زيادة وتعديل، وإن كان لسانهم بعيدا عن اللسان العربي، ومثل ذلك اللغة الأوردية الشائعة في بلاد الهند، وكل ذلك دليل على انتشار المدنية الإسلامية وتأثيرها في العالم، واتساع نفوذها، ورسوخ أصولها في الأصقاع المتنائية.
هذا وإذا نظرنا إلى أشكال الحروف المستعملة الآن نجدها تنحصر في سبعة أشكال، وهي: العربية، والعبرانية، والسريانية، والكلدانية، والحبشية، والسامرية، واليونانية، وهذه الأشكال السبعة من أصل واحد قد تطرق إليه التحريف والتعديل، وتتغير تبعا لمقتضيات الأحوال؛ نظرا لعدم سهولة المواصلات في الأيام القديمة، ولعدم وجود الضابط الذي يرجع إليه في رد التحريف إلى أصله أو ملافاته ومنعه؛ إذ لم تكن الطباعة موجودة في تلك الأعصار، والحاضر أكبر دليل على ذلك؛ فإن الحروف العربية، وهي واحدة ومراجعها واضحة وضابطها موجود، وهو الطباعة، فضلا عن القواعد المقررة عند الخطاطين، فإننا نراها متغايرة بحسب البلاد المختلفة، فلها أشكال متغايرة تغايرا جزئيا في مصر، وفي الشام، وفي العراق، وفي فارس، وفي تركية، وفي تونس، وفي الجزائر، وفي المغرب، بله تغايرها في لغة السواحل (بلاد زنجبار)، وفي لغة الملايو، وفي غيرها من اللغات غير العربية التي يعتمد أهلها على الحروف العربية.
بل إننا في القطر الواحد نكتب الحروف بأشكال مختلفة، فلبعض الأقباط في القطر المصري نمط مخصوص، ولفقهاء الكتاتيب فيه نمط مخصوص، ولكتاب الدواوين نمط مخصوص، وكذلك الحال عند أهل الأقطار الأخرى ذوي اللغات الأجنبية.
ومن ذلك يسهل علينا فهم الاختلاف الذي حدث في أشكال الحروف عند الأمم القديمة، مع عدم وجود الضوابط المتوفرة لدينا الآن، ومن تأمل في الخطوط السامية وجد التقارب بينها كثيرا، وسهل عليه اشتقاق بعضها من بعض.
هذا وأول الخطوط العربية هو الحميري المعروف بالقلم المسند، ولا أدري لماذا سمي بالمسند، وقد بلغ نهاية الإحكام والإتقان والجودة في دولة التبابعة لما بلغته من الحضارة والترف، ثم انتقل منهم إلى الحيرة في دولة المناذرة والنعامنة نسباء التبابعة، ولكنه حرف واضمحلت جودته؛ نظرا لبعد ما بين الدولتين في الحضارة وعزة الملك، ومن الحيرة أخذته قريش قبل البعثة النبوية بقليل.
وأول من كتب بالعربية أهل اليمن ، وكانوا يسمون خطهم بالمسند، وهو الخط الحميري، وكانوا يكتبون حروفا منفصلة، ويمنعون العامة من تعلمه، حتى تعلمه ثلاثة نفر من طيئ فتصرفوا فيه، وسموه بخط الجزم؛ لأنه اقتطع من خط حمير، ثم علموه أهل الأنبار، وأولهم: مرامر بن مرة، وعامر بن جدرة، وأسلم بن سدرة، ومن الأنبار انتشرت الكتابة العربية، فأخذها عنهم أهل الحيرة وتداولوها، ومنهم: بشر بن عبد الملك أخو صاحب دومة الجندل، وعدي بن زيد وزيد بن عدي، وكانا من كتاب الأكاسرة. ولما قدم الحيرة حرب ابن أمية القرشي، جد معاوية بن أبي سفيان، نقل هذه الكتابة من الحيرة إلى الحجاز بعد أن عاد إلى مكة، وممن تعلمها من أهل الحجاز: ورقة بن نوفل، ابن خال خديجة زوج النبي
صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان.
والكتابة العربية الحالية متصلة، وتكتب من اليمين إلى اليسار، أما الحميرية فهي منفصلة كما تقدم، وتكتب تارة من اليمين إلى الشمال، وتارة من الشمال إلى اليمين، وأما اليونانية واللاتينية وما تفرع عنهما فمن اليسار إلى اليمين، وكلها على السطر الأفقي، بخلاف الصينية واليابانية فسطرهما رأسي.
والكتابة العربية يسهل فيها من السرعة ما لا يسهل في غيرها،
1
Shafi da ba'a sani ba