فلما قضينا حجنا وانصرفنا راجعين، مررنا بذلك المنزل، وقد تضاعف حسنه، وإذا هي تتهادى بين خمس، ما تصلح أن تكون خادمًا لأدناهن، وهن يجتلين من حسن ذلك النبات، فلما رأيننا وقفن، فقلنا لهن: السلام عليكم، فقالت من بينهن: وعليك السلام، ألست صاحبي؟ قلت: بلى، قلن لها: أو تعرفينه؟ قالت: نعم، وقصت عليهن القصة، ما تركت حرفًا، قلن لها: ويحك، ما زودته شيئًا يتعلل به؟ قالت: نعم، زودته لحدًا ضامرًا، وموتًا حاضرًا، فانبرت لها أنضرهن خدًا، وأرشقهن قدًا، وأسحرهن طرفًا، وأبرعهن شكلًا، فقالت: والله ما أحسنت بدءًا، ولا أجملت عودًا، ولقد أسأت في الرد؛ إذا لم تكافيه في الود، فما عليك لو أسعفته في رغبته، أو أنصفته في مودته، وإن المكان لخال وما معك من ينم عليك، فقالت: أما والله لا أفعل من ذلك شيئًا، أو تشركيني في حلوه ومره، قالت لها: (تلك إذا قسمة ضيزى)، قالت أخرى منهن: لقد أطلتن الخطاب من غير فائدة فسلن الرجل عن نفسه وقصته وبغيته، فلعله لغير ما أنتن فيه، فقلن: حياك الله، وأنعم بك عينًا، من تكون، وممن أنت، وإلى من قصدت؟ قلت: أما الاسم، فالحسن بن هانئ من اليمن، ثم من سعد العشيرة، وأحد شعراء السلطان الأعظم، ومن يدني مجلسه، ويتقي لسانه، ويرهب جانبه، وأما قصدي، فلتبريد غلة، وإطفاء لوعة، قد أحرقت الكبد وأذابته، قالت: لقد أضفت إلى حسن المنظر كريم المخبر، وأرجو أن يبلغك الله أمنيتك، وتنال بغيتك، ثم أقبلت عليهن فقالت: ما لواحدة منكن عن مثله مرغب، فتعالين نشترك فيه، ونقترع عليه، فمن واقعتها القرعة منا تكن بادئة، فاقترعن فوقعت القرعة على المليحة التي قامت بأمري، فعلقن إزارًا على باب غار يجاورهن، وأدخلت فيه، وأبطأن عني، وجعلت أتشوق لدخول إحداهن علي، إذا دخل علي أسود كأنه سارية، بيده شي كالهرارة، ثم صحت بصاحبي، وكان قريبًا، فجاء إلي وخلصني منه بعد عسر، فخرجنا من العار، وإذا هن يتضاحكن، ويتهادين إلى الخيمة، فقلت لصاحبي: من أين أقبل الأسود؟ قال: كان يرعى غنمًا إلى جانب الغار، فدعونه، ووسوسن إليه شيئًا: فدخل عليك، قالت: أتراه كان يفعل؟ قال: أتراك في شك من هذا؟ وانصرفت وأنا أختزي. قال أبو بكر مالك أبعدك الله، لقد كتمت هذا الحديث مخافة هذا التأويل، حتى ضاق به صدري؛ فرأيتك موضعًا له، فبحقي عليك، لا تذعه، قال: فما فهمت به حتى مات.
1 / 49