وقال الأصمعي: سأل علي بن أبي طالب ابنه الحسين ﵄: كم بين الإيمان واليقين؟ قال: أربع أصابع، قال: وكيف ذلك؟ قال: الإيمان كل ما سمعته أذناك، وصدقه قلبك، واليقين ما رأته عيناك فصدق به قلبك، وليس بين الأذن والعين إلا أربع أصابع.
وقال الحسن لفرقد السبخي: بلغني أنك لا تأكل الفالوذج، قال: يا أبا سعيد، أخاف ألا أؤدي شكره، قال: يا لكع، هل يؤدي شكر الماء البارد في الصيف والحار في الشتاء أحد؟ أما سمعت الله يقول: (كلوا من الطيبات) و(كلوا من طيبات ما رزقنكم) .
وسمع الحسن رجلًا يعيب الفالوذج، فقال: لعاب النحل، بلباب البر، بخالص السمن، ما عاب هذا مسلم.
وقيل لبقراط: مالك تقل الأكل جدًا؟ قال: إني إنما آكل لأحيا، وغيري يحيا ليأكل.
ودعا عبد الملك بن مروان رجلًا إلى الغداء، فقال: ما بي فضل يا أمير المؤمنين، قال: لا خير في رجل يأكل حتى لا يكون فيه فضل.
وقيل للأحنف بن قيس: أي الشراب أطيب؟ قال: الخمر، قيل له: وكيف عرفت ذلك وأنت لم تشربها؟ قال: إني رأيت من حل له لا يتعداها ومن حرمت عليه إنما يدور حولها.
وقال قيصر لقس بن ساعدة: أي الأشربة أفضل عاقبة في البدن فقال: ما صفا في العين، واشتد على اللسان، وطابت رائحته في الأنف من شراب الكرم، قال: فما تقول في مطبوخه؟ قال: مرعي ولا كالسعدان، قال: فما تقول في نبيذ الزبيب؟ قال: ميت أحيي فيه بعض المتعة ولا يكاد يحيي من مات مرة.
وقيل لأعرابي: ما لك لا تشرب الخمر؟ قال: لا أشرب ما يشرب عقلي.
وقيل لعثمان بن عفان ﵁: ما منعك من شرب الخمر في الجاهلية ولا حرج عليك فيها؟ قال: إني رأيتها تذهب العقل جملة، وما رأيت شيئًا يذهب جملة ولا يعود جملة.
ودخل عمر بن الخطاب ﵁ على قوم، وهم يشربون ويوقدون في الأخصاص، فقال: نهيتكم عن معاقرة الشراب، وعن الوقد في الأخصاص فأوقدتم، وهم بتأديبهم، فقالوا: مهلًا يا أمير المؤمنين، نهاك الله عن التجسس فتجسست، ونهاك عن الدخول بغير إذن، فدخلت، فقال: هاتان بهاتين وانصرف، وهو يقول: كل الناس أفقه منك يا عمر.
وكان بالمدينة أعمى، فأتى يومًا عينًا يغتسل بها، فدخل بثيابه، فقيل له: بللت ثيابك، فقال: لأن نبتل علي خير من أن تجف على غيري.
وحكى الهيثم بن عدي قال: بينما أنا بكناسة الكوفة، إذا برجل مكفوف، قد وقف إلى نخاس الدواب، فقال له: يعني حمارًا، ليس بالقصير، ولا بالكبير، إذا خلا الطريق تدفق، وإذا كثر الزحام ترفق، إن أقللت علفه صبر، وإن أكثرته شكر، إن ركبته هام، وإن ركبه غيري نام، فقال له النخاس: يا أبا عبد الله، اصبر، فإن مسخ الله القاضي حمارًا، أصبت حاجتك إن شاء الله تعالى.
الباب الثالث
في أبيات شعر وقعت جوابًا، واستعملت خطابًا اجتمع ناس من الشعراء، وأتوا منزل عدي بن الرقاع، وصاحوا به. فخرجت بنت له صغيرة، فقالت: ما تريدون؟ قالوا: نريد أباك، نهجوه، ونفضحه، فقالت:
تجمعتم من كل أوب، ووجهة ... على واحد، لازلتم قرن واحد
فاستحيوا، وانصرفوا خجلين.
ولقي كثير الفرزدق، فقال له الفرزدق، يعرض له بسرقته للشعر: يا أبا ضمرة، أنت أنسب العرب حين تقول:
أريد لأنس ذكرها، فكأنما ... تمثل لي ليلى بكل سبيل
فقال له كثير يعرض بسرقته، وأنت يا أبا فراس أفخر العرب حيث تقول:
ترى الناس ما سرنا، يسيرون خلفنا ... وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا
وهذان البيتان لجميل، سرق الفرزدق واحدًا، وكثير واحدًا، فقال له الفرزدق: هل كانت أمك ترد البصرة؟ قال: لا، ولكن كان أبي كثيرًا ما يردها، فعرض كل واحد منهما بصاحبه.
ومر الأقيشر الأسدي بقوم من بني عبس، فقال بعضهم: يا أقيشر، وكان يغضب إذا دعي بذلك، فنظر إليه وأنشأ يقول:
أتدعوني الأقيشر، ذلك أسمي ... وأدعوك ابن مطفئة السراج
تناجي خدعها بالليل سرًا ... ورب العرش يعلم ما تناجي
فسمي الرجل ابن مطفئة السراج ونظر رجل إلى الحسن بن عبد الحميد يزاحم الناس على باب محمد بن سليمان فقال: أمثلك يرضى بهذا؟ فقال:
أهين لهم نفسي؛ لاكرمها بهم ... ولا يكرم النفس الذي لا يهينها
وقال أبو مسهر: أتيت أبا جعفر محمد بن عبد الله بن عبد كان، فحجبني، فكتبت إليه:
1 / 23