وله من الأخبار والنّوادر ما لا يسمع بمثله في العدل وإنصاف المظلومين، ممّا يذكّرنا بسير الأوائل من الخلفاء الرّاشدين ومن بعدهم.
قال اللكنوي في «نزهة الخواطر»، أثناء ترجمته لهذا السّلطان العادل:
قال الآصفي: وفي سنة إحدى وثلاثين وتسع مئة خرج السّلطان إلى مصلّى العيد للاستسقاء، وتصدّق وتفقّد ذوي الحاجة على طبقاتهم، وسألهم الدّعاء، ثمّ تقدّم للصّلاة، وكان آخر ما دعا به- كما يقال-: (اللهمّ إنّي عبدك ولا أملك لنفسي شيئا، فإن تك ذنوبي حبست القطر عن خلقك فها ناصيتي بيدك! فأغثنا يا أرحم الرّاحمين)، قال هذا ووضع جبهته على الأرض، واستمرّ ساجدا يكرّر قوله: (يا أرحم الرّاحمين)، فما رفع رأسه إلّا وهاجت ريح ونشأت بحرية ببرق ورعد ومطر؛ ثمّ سجد لله شكرا، ورجع من صلاته بدعاء الخلق له وهو يتصدّق وينفح بالمال يمينا وشمالا.
وبعد الاستسقاء بقليل اعتراه الكسل، ثمّ ضعف المعدة، ومنه شكا ضعف الجسد، وفي خلال ذلك عقد مجلسا حفلا بسادة الأمّة ومشايخ الدّين، واجتمع بهم، وتذاكروا فيما يصلح بلاغا للآخرة، إلى أن تسلسل الحديث في رحمة الله سبحانه وما اقتضاه منّه وإحسانه، فأخذ يشرح ما منّ الله عليه من حسنة ونعمة، ويعترف بعجز شكرها، إلى أن قال: (وما من حديث رويته عن أستاذي المسند العالي مجد الدين بروايته له عن مشايخه إلّا وأحفظه وأسنده، وأعرف لراويه نسبته وثقته، وأوائل حاله إلى وفاته. وما من آية إلّا ومنّ الله عليّ بحفظها وفهم تأويلها وأسباب نزولها وعلم قراءتها. وأمّا الفقه فأستحضر منه ما أرجو به مفهوم: «من يرد الله به خيرا يفقّهه في الدّين» . ولي مدّة أشهر أصرف وقتي باستعمال ما عليه الزّهّاد، وأشتغل بما سنّه المشايخ لتزكية الأنفاس عملا بما قيل:
«من تشبّه بقوم فهو منهم»؛ وها أنا أطمع في شمول بركاتهم متعلّلا بعسى ولعلّ، وكنت شرعت بقراءة «معالم التّنزيل»، وقد قاربت إتمامه، إلّا أني أرجو أن أختمه في الجنّة إن شاء الله تعالى، فلا تنسوني من صالح دعائكم، فإنّي أجد أعضائي فقدت قواها، وليس إلّا رحمة الله سبحانه دواها) .
فدعا له الحاضرون بالبركة في العمر.
قال: وفي سنة اثنتين وثلاثين وتسع مئة على خروجه من (جانپانير) ظهرت منه مخائل المستودع بفراق الأبد لها ولأهلها، وأكثر من أعمال البرّ فيها.
1 / 28