Habermas Muqaddima Qasira
يورجن هابرماس: مقدمة قصيرة جدا
Nau'ikan
شكر وتقدير
إنني ممتن لزملائي جميعا بقسم الفلسفة، جامعة يورك، وأقدر جدا مناقشة أفكاري مع ماري ماكجين وستيفن إيفرسون. وجدت في توم بولدوين جل ما كنت أتمناه في زميل ورئيس قسم، واستفدت كثيرا من صداقته وتشجيعه ومعرفته الموسوعية بالفلسفة. كان كريستيان بيلر، فوق كل شيء، صديقا صدوقا ورفيقا لي بالقسم نفسه، وشريكا في الحوار جعلته يحيط بمعلومات عن هابرماس تتجاوز توقعاته. ولقد جعلتني أسئلته الثاقبة أمعن التفكير دوما بقدر أكبر من العمق والوضوح من ذي قبل. في عام 2003، أسعدني الحظ؛ إذ سنحت لي فرصة تدريس أخلاقيات الخطاب عند هابرماس لمجموعة من الطلاب النابغين بجامعة يورك. ولقد استقيت أفكارا من إسهامات روبن هاولز وألكساندر بيري. وإنني أدين بالفضل أيضا إلى مات براون وجوليانا سوكولوفا وسونيا شنورينج، وجون-ديفيد رودز، وتشارلي بيرنز، وويليام أوثويت؛ الذين طالعوا مسودات الكتاب أو علقوا عليها أو فعلوا الأمرين معا. وكذلك أدين بالفضل إلى مارشا فيليون، المحررة المسئولة بدار نشر جامعة أكسفورد، وأليسون ليسوينج، وبيتر بوتشر من مؤسسة ريفاينكاتش؛ الذين ساعدوني على تنظيم أوراقي وأفكاري المبعثرة. وأود أن أتقدم بخالص الشكر تحديدا إلى دكتور تينج-مينج لي وكوني ديبياسيو؛ اللذين تعهداني بالرعاية بوسائل شتى وعاملاني بسخاء ورفق على مدار السنوات القليلة الماضية. وأخيرا، فإن أبوي كاثرين وجون فينليسون، وجوليانا يستحقون شكرا وتقديرا خاصا على ما قدموه إلي من حب ودعم وألفة عولت عليها في الأوقات العصيبة التي مررت بها.
تمهيد
من هو يورجن هابرماس؟
يورجن هابرماس واحد من أهم المنظرين الاجتماعيين وأوسعهم انتشارا في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وكتاباته النظرية مؤثرة في مناح عدة من الإنسانيات والعلوم الاجتماعية. ولا شك أن جميع دارسي علم الاجتماع والفلسفة والسياسة ونظرية القانون والدراسات الثقافية واللغة الإنجليزية واللغة الألمانية والدراسات الأوروبية؛ سيصادفون اسمه في وقت ما. وثمة أسباب عدة للأثر الواسع لأعماله. بداية يعد هابرماس منظرا متعدد التخصصات؛ فنطاق إحالاته هائل. وهو النقيض التام لما أطلق عليه عالم الاجتماع ماكس فيبر (1846-1920) «متخصصا بلا روح»؛ أي الأكاديمي الذي لا يتخطى أبدا التخصص الضيق لخبرته الخاصة. ونظرا لأن أعماله تتجاوز الحدود التخصصية التي يعمل في إطارها أغلب الأكاديميين والدارسين، فإن أغلب قرائه لم يصادفوا سوى جانب واحد وحسب من أعماله. علاوة على ذلك، عكف هابرماس على الكتابة منذ نحو 50 سنة، وله إنتاج فكري ضخم. وإضافة إلى شهرته كمنظر اجتماعي وسياسي، فهو واحد من أبرز المفكرين في الشأن العام في أوروبا حاليا. فهو عميد اليسار الديمقراطي في ألمانيا ومصدر إلهامه، ويبادر، اتساقا مع مبادئ فلسفته، بالتصريح بآرائه النقدية الغزيرة - كمواطن لا كأكاديمي - في الشأنين العامين الألماني والأوروبي حول أمور لها أهمية ثقافية وأخلاقية وسياسية عامة.
شكل 1: يورجن هابرماس.
ولأن الكتاب مقدمة قصيرة، فقد عرضت أقل القليل من المعلومات عن حياة هابرماس. وليس السبب في ذلك أن حياته غير مثيرة للاهتمام، على الرغم من أن حياة الأكاديميين نادرا ما يتأتى عنها سيرة حياتية مؤثرة ومثيرة للاهتمام. السبب أني أعتقد أن الأعمال أهم من الرجل. (مع ذلك، لن أذهب مذهب مارتن هايدجر الذي حين كتب عن الفيلسوف أرسطو، لم يذكر عن حياته سوى أنه «ولد في وقت كذا، وعمل ووافته المنية».) تأثرت أعمال هابرماس بالأحداث التاريخية الجسام التي عاشها وكانت محركة لها، لا سيما نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، وانبعاث جمهورية ألمانيا الاتحادية من أطلالها الاقتصادية والاجتماعية، والحرب الباردة، والاحتجاجات الطلابية عام 1968، وسقوط جدار برلين عام 1989، ونهاية الاتحاد السوفييتي.
ولد هابرماس بمدينة دوسلدورف عام 1929، وترعرع في كنف أسرة ألمانية من الطبقة المتوسطة تأقلمت مع النظام النازي دون انتقاد ودون تأييده تأييدا فاعلا. تبلورت آراؤه السياسية الخاصة للمرة الأولى عام 1945 عندما كان في السادسة عشرة من عمره. قرب نهاية الحرب، شأنه شأن أغلب المراهقين الألمان الأصحاء من عمره، انضم إلى حركة شباب هتلر. وبعد الحرب، عندما شاهد الأفلام التسجيلية عن محرقة اليهود وتتبع وقائع محاكمات نورمبرج، تفتحت عيناه على الحقيقة المروعة لمعسكر اعتقال أوشفيتس، والمدى الكامل للكارثة الأخلاقية الجمعية للحقبة النازية.
درس هابرماس الفلسفة في شبابه في جوتنجن وزيوريخ وبون. ولم يكن راديكاليا. في الفترة بين عامي 1949 و1953، انغمس في دراسة أعمال مارتن هايدجر. ولكن سرعان ما نفض عنه أفكاره؛ ليس بسبب عضويته في الحزب النازي ومناصرته للنازيين على الملأ بقدر ما كان بسبب تملصه من الحقيقة لاحقا ورفضه الاعتذار عن أفعاله، والإقرار بها، وتجاوزها. في عام 1949، تأسست الحكومة الأولى لجمهورية ألمانيا الاتحادية بقيادة كونراد أديناور المحافظ. وكانت علاقة هابرماس بهايدجر في شبابه - تلك العلاقة التي بدأت بحماس مفعم بالأمل وسرعان ما تحولت إلى شعور بخيبة الأمل والخيانة - دالة على طبيعة علاقته بنظام أديناور بأسره؛ فقد مثلت، في رأيه، رفضا جمعيا ومدروسا للإقرار بالماضي والانفصال عنه.
شكل 2: مارتن هايدجر؛ انشغل هابرماس عندما كان طالبا بأعمال هايدجر. ولاحقا انهال نقدا على صمته حيال عضويته في الحزب النازي.
Shafi da ba'a sani ba