Habermas Muqaddima Qasira
يورجن هابرماس: مقدمة قصيرة جدا
Nau'ikan
تعرضت نظرية كولبرج إلى الكثير من الانتقادات. على سبيل المثال، ينفر النفعيون من فكرة حصرهم في المركز الثاني وراء الكانطيين، وينكرون أن حلولهم للمشكلات الأخلاقية أدنى «طبيعيا» أو فلسفيا. علاوة على ذلك، كثير من النسويين يدعون أن ثمة بعدا أنثويا تحديدا للخلقية - ألا وهو الرعاية - إلا أن كولبرج يقلل من أهميته الأخلاقية أو يتجاهلها لأسباب مختلفة. إنه يفضل الحلول «العقلانية» للمشكلات الأخلاقية التي يقدمها الذكور، ويغض الطرف عن الحلول البديلة المقدمة من الإناث، ويستنبط عن طريق الخطأ أطروحة عن نمو الأطفال من الأدلة المتعلقة بنمو الذكور. ورغم هذه النقاط المثيرة للجدل، يؤيد هابرماس نظرية كولبرج عن التطور الأخلاقي مع اختلاف وحيد وحسب. فمثلما لا يجعل روايته التاريخية عن نشأة الخلقية العلمانية تنتهي بكانط بل بنظرية الخطاب الخلقي، فقد أقحم نظرية الخطاب الخلقي في المرحلة السادسة لنظرية كولبرج (الوعي الأخلاقي والفعل التواصلي). وربما يعبر أنصار الفلسفة الكلبية عن استهجانهم هنا؛ إذ يبدو أنه ليس من قبيل المصادفة أن يئول التطور التاريخي للخلقية الحديثة، بحسب رواية هابرماس، وعلم النفس الأخلاقي التنموي، بحسب تفسير هابرماس له، في نهاية المطاف إلى نظرية الخطاب. (2-2) التطور الاجتماعي والتحديث
تتلخص فرضية هابرماس الطموحة في أنه مثلما أن تطور الوعي الأخلاقي للأفراد هو عملية تعلم يمكن تقسيمها إلى مراحل منطقية، فكذلك تطور المجتمع ككل. على أي حال، إذا كانت المراحل والمستويات المذكورة أعلاه طبيعية لدى الأفراد، فلا بد أن ينعكس ذلك على البنى الاجتماعية؛ ينبغي أن تكون هناك مجتمعات قبل تقليدية، وأخرى تقليدية، وثالثة بعد تقليدية. يعتقد هابرماس أن كل هذه المستويات يمكن تحديدها في أشكال تاريخية مختلفة من التداعي. فالمجتمعات القائمة في الغالب على صلة الرحم والتقاليد الدينية المشتركة، التي ترتبط فيها الخلقية بالرموز الدينية والقبلية، هي مجتمعات «تقليدية»، بينما المجتمعات الحديثة القائمة على الخلقية العمومية والقانون الشرعي هي مجتمعات «ما بعد تقليدية». والنظير الاجتماعي لبنى المستوى الثاني والثالث للوعي الأخلاقي الفردي يمثل أنواع القواعد المتاحة لحل المشكلات الجمعي. إذا صحت فرضية هابرماس، فسيكون بالإمكان إعادة صياغة عملية التحديث باعتبارها تطورا لبنى اجتماعية متزايدة التعقيد يمكنها أن تمكن الأفراد من حل المشكلات والصراعات الاجتماعية بشكل أفضل.
لكن هذه الفرضية محاطة بالكثير من المشكلات الجسيمة. على سبيل المثال، ليس من الواضح أي الأدلة التجريبية يمكن تأكيدها أو دحضها. وثمة مصدر قلق آخر يكتنف التناظر المزعوم بين التطور المتعلق بنشأة الفرد والتطور المتعلق بالسلالات (عمليات التعلم الفردية والجمعية). ومن غير الواضح هل كان السلوك الفردي له أي نظائر جمعية أم لا. في نظرية كولبرج، من الواضح على الأقل الطرف القائم بالتعلم؛ والطفل الفرد. ثمة وعي متحكم ليس له نظير على المستوى الجمعي. كيف لمجتمعات كاملة أن تتعلم؟ يقر هابرماس بأن المجتمعات تتعلم فقط بالمعنى الاشتقاقي الذي مفاده أنها توفر الإطار الذي يتعلم داخله الأفراد التعامل مع الصراعات وحل المشكلات؛ ولذا، فإن النقلة ما بين المجتمعات التقليدية وما بعد التقليدية يمكن أن تسمى «عملية تعلم».
استنبط هابرماس هذه الفرضية الطموحة في السبعينيات أثناء تعاطيه النقدي مع المادية التاريخية. ولقد كان من المفترض أن تتمم نظريته عن البنى الاجتماعية المعيارية الرؤية الماركسية القائلة إن التطور الاجتماعي يتحدد من أسفل بالتغيرات الطارئة على نمط الإنتاج. منذ ذلك الحين، أسقط هابرماس من حساباته أغلب نظرية التطور في هدوء، مع أنه استمر في استخدام بعض أفكارها وافتراضاتها المحورية في برامجه الأخرى. ما لم يسقطه من حساباته هو إيمانه بأن الفاعلين الذين يتصرفون تواصليا والذين يسوون الصراعات عن طريق الخطاب أقدر على التكيف مع صراعات الحياة الاجتماعية الحديثة وتعقيداتها. (3) استكمال المشروع الحداثي
كثيرا ما يشكو نقاد هابرماس من أن أعماله ليست تاريخية الطابع مطلقا. فهو ينقب في التاريخ بحثا عن نتائج موائمة لبرامجه البحثية. على سبيل المثال، يقدم لنا هابرماس العمومية الأخلاقية كنتيجة تاريخية، لكنه يريد القول أيضا إنها رغم ذلك «تطور» يضاف لما حدث من قبل. يرى هابرماس أنه كلما كان المجتمع متماشيا مع مثل التواصل والخطاب، أي كلما كان أفراده موجهين نحو الوصول إلى إجماع، كان ذلك أفضل لهم فرادى وجماعات. ويرى ناقدوه أن هذه المزاعم تذكرهم بالفكرة الهيجلية المرفوضة والقائلة إن ثمة «منطقا في التاريخ».
هذه المخاوف مشروعة، لكن ليس بالقدر الذي يزعمه النقاد. ينكر هابرماس أن الأفكار السياسية والأخلاقية الموجهة للمشروع الحداثي، حتى لو نشأت في مرحلة معينة في التاريخ، متصلة بالسياق الثقافي المحدد الذي تسبب في نشأتها. ويقدم هابرماس دفاعا لائقا عن فكرة التقدم الاجتماعي. فهو يعتقد أنه يمكن إعطاء هذه الفكرة تفسيرا مبررا تجريبيا (ومعتبرا ميتافيزيقيا )؛ يمكن فهم التطور الاجتماعي باعتباره عملية تعلم من حيث إن الأفراد ما بعد التقليديين بالمجتمعات الحداثية أقدر على تنسيق أفعالهم والحفاظ على النظام الاجتماعي من الأفراد التقليديين أو ما قبل التقليديين بالمجتمعات ما قبل الحداثية. وعلى ذلك، فإن هابرماس أبعد ما يكون عن التفاؤل الساذج؛ فهو يرفض مفهوم هيجل الغائي عن المجتمع باعتباره شكلا ماديا لروح ذاتية التطور تتجه نحو غاية المعرفة الذاتية. واستنادا إلى روايته، فإن آثار التحديث على النظام والعالم المعيش وتوازنهما الهش متعددة، وإرثه غامض. على الجانب السلبي من التوازن، يؤدي التحديث إلى ظهور الآفات الاجتماعية - كالتفسخ الاجتماعي والانفصال ومشاعر الاغتراب. وعلى الجانب الإيجابي، تجلب الحداثة مكاسب معرفية واقتصادية وعملية جديرة بأن نحافظ عليها.
ويصر هابرماس على أن محاولة إيقاف أو عكس عملية التحديث، وكأن أحدا لديه القدرة على الضغط على زر وعكس مجريات التاريخ، لا جدوى منها. وهذا لا يعني أن المجتمع حصين من الأثر البشري. تكمن الحيلة في العمل مع ديناميكيات الحداثة لا بما يناقضها؛ وذلك لأن التحديث يوفر موارد يمكن بها حل المشكلات التي يتسبب فيها واحتواء الضرر الذي تلحقه. المحصلة النهائية أن استكمال المشروع الحداثي يعني إيجاد سبل ووسائل لتيسير الانتقال إلى مجتمع ما بعد تقليدي ينسق الأفراد فيه أفعالهم، ويرسون نظامهم الاجتماعي على أساس المبادئ الأخلاقية العامة والقوانين المشروعة. ولكي نفهم ما يتضمنه ذلك بشكل أوضح، يجب أن نلتفت إلى النظرية الأخلاقية والسياسية لدى هابرماس.
الفصل السادس
أخلاقيات الخطاب (1): نظرية الخطاب الخلقي
أخلاقيات الخطاب هي البرنامج المحوري لفلسفة هابرماس: يفترض كتاب «نظرية الفعل التواصلي» وجود أخلاقيات التواصل؛ بينما يسلم بها جدلا كتابه «بين الحقائق والمعايير». والبرنامج منقسم إلى مجلدين صغيرين من المقالات تحت عنواني «الوعي الأخلاقي والفعل التواصلي» (1983) و«التبرير والتطبيق» (1991). ولا يوجد أي عمل كبير عن أخلاقيات الخطاب يقارن بأعماله التي تتناول النظرية الاجتماعية والسياسية. ومع ذلك، فأخلاقيات الخطاب هي الأساس المعياري لفلسفة هابرماس، وهي التي تطور الأفكار المميزة للعلانية والشمولية والمساواة والتضامن والعدالة في ضوء برنامج المعنى البراجماتي وبرنامج النظرية الاجتماعية.
Shafi da ba'a sani ba