بسم الله الرحمن الرحيم
[مقدمة المؤلف]
قال الشيخ الإمام العلامة العالم الزاهد الأوحد الورع العارف المؤيد محيي الدين قطب الإسلام معز الأنام ناصر السنة قامع البدعة صدر الأئمة أبو محمد عبد القادر بن أبي صالح بن عبد الله الجيلي، تغمده الله برحمته وأعاد علينا وعلى المسلمين من بركته، وحشرنا في زمرته آمين:
الحمد لله الذي بتحميده يستفتح كل كتاب، وبذكره يصدر كل خطاب وبحمده يتنعم أهل النعيم في دار الجزاء والثواب، وباسمه يشفى كل داء، وبه يكشف كل غمة وبلاء، إليه ترفع الأيدي بالتضرع والدعاء، في الشدة والرخاء، والسراء والضراء، وهو سامع لجميع الأصوات، بفنون الخطاب على اختلاف اللغات، والمجيب للمضطر الدعاء، فله الحمد على ما أولى وأسدى، وله الشكر على ما أنعم وأعطى، وأوضح المحجة وهدى، وصلواته على صفيه ورسوله الذي به من الضلالة هدى، محمد وآله وأصحابه وإخوانه المرسلين والملائكة المقربين، وسلم تسليما.
أما بعد:
فقد ألح علي بعض أصحابي، وشدد في الخطاب في تصنيف هذا الكتاب لحسن ظنه في الإصابة والصواب، والله تعالى هو العاصم في الأقوال والأفعال والمطلع على الضمائر والنيات، والمنعم المتفضل بتسهيل ما أراد، وإليه ﷿ الالتجاء لتطهير القلوب من الرياء والنفاق، وإبدال السيئات بالحسنات، إنه غافر الذنوب والخطيئات، وقابل التوب من العباد.
فلما رأيت صدق رغبته في معرفة الآداب الشرعية من الفرائض والأركان والسنن والهيئات، ومعرفة الصانع ﷿ بالآيات والعلامات، ثم الاتعاظ بمواعظ القرآن والألفاظ النبوية في مجالس نذكرها، ومعرفة أخلاق الصالحين نشير لها في أثناء
1 / 9
الكتاب، ليكون عونا له على سلوك طريق الله ﷿، وامتثال أوامره، وانتهاء نواهيه، ووجدتُ له نية صادقة صدرت من فتوح الغيب في إجابته إلى ذلك، فسارعتُ مشمرا مبتغيا محتسبا للثواب، راجيا للنجاة في يوم الحساب، إلى جمع هذا الكتاب بتوفيق رب الأرباب الملهم للصواب، وقد سميته:
(الغنية لطالبي طريق الحق ﷿
1 / 10
القسم الأول
في
الفقه
1 / 11
باب
نبدأ فنقول:
الذي يجب على من يريد الدخول في دين الإسلام
أولًا: أن يتلفظ بالشهادتين: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، ويتبرأ من كل دين غير دين الإسلام، ويعتقد بقلبه وحدانية الله تعالى، على ما سنبينه إن شاء الله تعالى.
إذا كان الإسلام هو الدين عند الله تعالى، قال الله ﷿: ﴿إن الدين عند الله الإسلام﴾ [آل عمران: ١٩].
وقال تعالى: ﴿ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه﴾ [آل عمران: ٨٥].
فإذا أتى بذلك دخل في الإسلام، وحرم قتله وسبي ذراريه واستغنام أمواله، ويغفر له ما تقدم من التفريط في حق الله ﷿، لقوله تعالى: ﴿قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف﴾ [الأنفال: ٣٨].
وقول النبي ﷺ: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله».
ولقوله ﷺ: «الإسلام يجب ما قبله».
ثم يجب عليه الغسل للإسلام، لما روي أن النبي ﷺ أمر ثمامة بن أثال وقيس بن
1 / 13
عاصم، لما أسلما بالغسل.
وفي رواية: «ألق عنك شعر الكفر واغتسل».
ثم تجب عليه الصلاة، لأن الإيمان قول وعمل، لأن القول دعوى والعمل هو البينة، والقول صورة والعمل روحها.
وللصلاة شرائط تتقدمها وهي:
الطهارة بالماء الطهور، والتيمم عند عدمه، والستارة بثوب طاهر، والوقوف على بقعة طاهرة، واستقبال القبلة، والنية، ودخول الوقت.
أما الطهارة فلها فرائض وسنن:
والفرائض في ظاهر المذهب عشرة:
النية أولًا: وهو أن ينوي بطهارته رفع الحدث، وإن كان تيممًا فاستباحة الصلاة، لأن التيمم لا يرفع الحدث، ومحلها القلب، فإن ذكر ذلك بلسانه مع اعتقاده بقلبه كان قد أتى بالأفضل، وإن اقتصر على الاعتقاد بالقلب أجزأ.
ثم التسمية: وهو أن يذكر الله تعالى عند إرادته أخذ الماء.
1 / 14
ثم المضمضة: وهو دوران الماء في الفم ومجه وإخراجه منه.
ثم الاستنشاق: وهو إدخال الماء في خرمي الأنف.
ثم غسل الوجه: وحده من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين والذقن طولًا، ومن وتد الأذن إلى وتد الأذن عرضًا.
ثم غسل اليدين إلى المرفقين.
ثم مسح الرأس: وصفته: أن يغمس يديه في الماء ثم يرفعهما فارغتين فيضعهما على ما مقدم رأسه ويجرهما إلى قفاه، ويعيدهما إلى الموضع الذي بدأ منه، ويكون الإبهامان في صماخي الأذنين، فيمسح بهما الجلدتين القائمتين مع الصماخين.
ثم غسل الرجلين مع الكعبين: وهما العظمان الناتئان في مفصل القدم وكل ذلك مرة واحدة.
وأما التاسع: فهو ترتيب الأعضاء كلها كما نطق به القرآن في قوله ﷿:
﴿يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين﴾ [المائدة: ٦].
والعاشر: الموالاة، وهي إتباع العضو الثاني الأول قبل أن ينشف ماء الأول.
1 / 15
وأما سننها فعشر أيضًا:
غسل الكفين قبل إدخالهما الإناء، والسواك، والمبالغة في المضمضة والاستنشاق إلا أن يكون صائمًا، وتخليل اللحية الكثة على اختلاف الروايتين، وغسل داخل العينين، والبداءة باليمين، وأخذ ماء جديد للأذنين، ومسح العنق، وتخليل ما بين الأصابع، والغسلة الثانية والثالثة.
وأما التيمم:
فأن يضرب يديه على تراب طاهر له غبار يعلق باليد، ناويًا لاستباحة صلاة مفروضة، مسميًا ضربة واحدة يفرج بين أصابعه، فيمسح وجهه بباطن أصابع يديه، وظهر كفيه بباطن راحتيه.
وأما الطهارة الكبرى: فنذكرها في باب آداب الخلاء إن شاء الله تعالى.
وأما الستارة: فأن تكون ثوبًا طاهرًا يستر عورته ومنكبيه من سائر أنواع الثياب إلا الحرير، فإن الصلاة فيه باطلة وإن كان طاهرًا، وكذلك المغصوب.
وأما البقعة: فأن تكون طاهرة من جميع الأنجاس، فإن كانت النجاسة التي عليها قد نشفتها الرياح أو الشمس فبسط عليها بساطًا طاهرًا فصلى عليه صحت صلاته على
1 / 16
إحدى الروايتين. وكذلك إن كانت مغصوبة على رواية ضعيفة.
وأما استقبال القبلة:
فأن يتوجه إلى عين الكعبة إن كان بمكة وما قاربها من البقاع وإلى جهتها إن كان على بعد منها بالاجتهاد وبذل الطاقة بالاستدلال بالشواهد والدلالات بالنجوم والشمس والرياح وغير ذلك.
وأما النية:
فمحلها القلب وهو أن يعتقد أداء ما افترض الله تعالى عليه من فعل الصلاة بعينها وامتثال أمره الواجب من غير رياء وسمعة، ثم يحضر قلبه إلى أن يفرغ منها، وقد جاء في الحديث عن النبي ﷺ أنه قال لعائشة ﵂: (ليس لك من صلاتك إلا ما حضر قلبك).
وأما دخول الوقت:
فبعلمه يقينًا أو غلبة الظن في يوم الغيم وهيجان الرياح والموانع.
ثم يؤذن فيقول:
الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله.
ثم يقيم الصلاة فيقول:
الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله.
(فصل) فإذا كملت هذه الشروط دخل في الصلاة
بقوله: (الله أكبر)، لا يجزئه غيره من ألفاظ التعظيم.
1 / 17
ولها أركان وواجبات ومسنونات وهيئات.
فأما الأركان فخمسة عشر:
القيام، وتكبير الإحرام، وقراءة الفاتحة، والركوع، والطمأنينة فيه، والاعتدال عنه، والطمأنينة فيه، والسجود، والطمأنينة فيه، والجلوس بين السجدتين، والطمأنينة فيه، والتشهد الأخير، والجلوس فيه، والصلاة على النبي ﷺ، والتسليم.
وأما الواجبات فتسعة
التكبير غير تكبيرة الإحرام، والتسميع والتحميد عند الرفع من الركوع، والتسبيح في الركوع والسجود مرة مرة، وقول (رب اغفر لي) في الجلسة بين السجدتين مرة مرة، والتشهد الأول، والجلوس له، ونية الخروج من الصلاة في التسليم.
1 / 18
وأما المسنونات فأربع عشرة:
الاستفتاح، والتعوذ، وقراءة: «بسم الله الرحمن الرحيم»، وقول «آمين»، وقراءة سورة، وقول: «ملء السموات والأرض» بعد التحميد، وما زاد على التسبيحة الواحدة في الركوع والسجود، وقول: «رب اغفر لي»، والسجود على الأنف في إحدى الروايتين، وجلسة الاستراحة بعد انقضاء السجدتين، والتعوذ من أربعة أشياء بأن يقول: «أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المسيح الدجال ومن فتنة المحيا والممات»، والدعاء بما ذكر في الأخبار بعد أين يصلى على النبي ﷺ في التشهد الأخير، والقنوت في الوتر، والتسليمة الثانية على رواية ضعيفة.
وأما الهيئات فخمس وعشرون هيئة:
رفع اليدين عند الافتتاح والركوع، والرفع منه وهو أن تكون كفاه مع منكبيه وإبهاماه عند شحمتي أذنيه وأطراف أصابعه مع فروع أذنيه ثم إرسالهما بعد الرفع، ووضع اليمين على الشمال تحت السرة، والنظر إلى موضع السجود، والجهر بالقراءة وآمين، والإسرار بهما، ووضع اليدين على الركبتين في الركوع، ومد الظهر، ومجافاة عضديه عن جنبيه فيه، والبداءة بوضع الركبة ثم اليدين في السجود، ومجافاة البطن عن الفخذين والفخذين عن الساقين فيه، والتفريق بين الركبتين في السجود، ووضع اليدين حذاء منكبيه فيه، والافتراش في السجود بين السجدتين وفي التشهد الأول والتورك في الثاني، ووضع اليد اليمنى على الفخذ اليمنى مقبوضة مشيرًا بالسبابة محلقة بالإبهام مع الوسطى، ووضع اليسرى على الفخذ اليسرى مبسوطة.
1 / 19
فإن أخل بشرط من الشرائط التي ذكرناها أولًا بغير عذر لم تنعقد الصلاة.
وإن ترك ركنًا عامدًا أو ساهيًا بطلت.
وإن ترك واجبًا ساهيًا جبره بسجود السهو، وإن تركه عامدًا بطلت الصلاة.
وإن ترك سنة أو هيئة لم تبطل ولم يسجد.
* * *
كتاب الزكاة
وتجب عليه الزكاة إن كان له مال زكوي.
وهو أن يملك عشرين مثقالًا من الذهب، أو مائتي درهم من الورق، أو قيمة أحدهما من عروض التجارة، أو خمسًا من الإبل، أو ثلاثين من البقر، أو أربعين من الغنم سائمة حولًا كاملًا، إلا أن يكون عبدًا أو مكاتبًا فإنه لا تجب عليهما الزكاة.
فيخرج عن الذهب والفضة ربع العشر، فيكون عن كل عشرين دينارًا نصف دينار، لأن عشرها ديناران وربعها نصف دينار. وعن مائتي درهم خمسة دراهم، لأن عشرها عشرون وربعها خمسة.
وعن خمس من الإبل: شاة، وهي الجدع من الضأن قد تمت له ستة أشهر، والثني من المعز وهو ما له سنة.
وعن عشر: شاتان.
1 / 20
وعن خمسة عشر: ثلاث شياه.
وعن عشرين: أربع شياه.
وعن خمس وعشرين: ابنة مخاض، وهي ما لها سنة ودخلت في الثانية، فإن لم يقدر عليها فابن لبون ذكر، وهو ما له سنتان ودخل في الثالثة.
وعن ست وثلاثين: ابنة ليون، وهي في سن ابن ليون.
وعن ست وأربعين: حقة، وهي ما كمل لها ثلاث سنين.
وعن إحدى وستين: جذعة، وهي ما كمل لها أربع سنين.
وعن ست وسبعين: بنتًا لبون.
وعن إحدى وتسعين: حقتان إلى أن تبلغ مائة وعشرين.
فإن زادت واحدة كان في كل أربعين ابنة لبون، وفي كل خمسين حقة.
وأما البقر: فيخرج عن كل ثلاثين: تبيعًا أو تبيعة، وهي ما كمل لها سنة.
وعن أربعين: مسنة، وهي ما كمل لها سنتان.
وعن ستين: تبيعين.
فإذا بلغت سبعين كان فيها: تبيع ومسنة.
ثم على هذا الاعتبار يخرج عن كل ثلاثين تبيعًا، وعن كل أربعين مسنة.
وأما الغنم: ففي كل أربعين: شاة إلى أن تبلغ مائة وعشرين، فإن زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة، ثم في كل مائة شاة.
فيعطى المخرج عن جميع ذلك للثمانية الأصناف المذكورة في القرآن:
للفقراء الذين لا يملكون كفايتهم.
والمساكين وهم الذين لهم معظم الكفاية ولا يملكون تمامها.
والعاملين عليها وهم الجباة لها والحافظون لها إلى أن يؤدوها إلى الإمام.
1 / 21
والمؤلفة قلوبهم وهو قوم من الكفار يرجى إسلامهم إذا أعطوا المال أو يكفوا شرهم على المسلمين.
وفي الرقاب وهم المكاتبون، وإن اشترى بزكاته رقبة كاملة فأعتقها جار أيضًا على رواية.
والغارمين وهم المدينون الذين لا طاقة لهم على قضاء ديونهم.
وفي سبيل الله وهم الغزاة الذين لا جزاء لهم في ديوان الإمام وغيره من السلاطين وإن كانوا أغنياء.
وابن السبيل وهو المسافر المنقطع به دون الذي ينشئ السفر من بلده.
فإذا أدى ما عليه من زكاة الفرض يستحب له صدقة التطوع في سائر أوقاته ليلًا ونهارًا قليلًا وكثيرًا. لاسيما في الأشهر المباركة كشهر رجب وشعبان وشهر رمضان وأيام العيد وعاشوراء وأيام الجدب والضيق، ليحوز بذلك العافية في الجسم والمال والأهل والخلف السريع في الدنيا والثواب الجزيل في الآخرة.
(فصل) ويخرج زكاة الفطر إذا فضل عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته عن نفسه وزوجته ورقيقه وولده وأمه وأبيه وأخوته وأخواته وأعمامه وبني أعمامه على الترتيب الأقرب فالأقرب، بشرط أن يكونوا في مؤنته ونفقته.
وقدرها صاع وزنه خمسة أرطال وثلث بالعراقي من التمر أو الزبيب أو البر أو الشعير أو دقيقهما أو سويقهما وكذلك الأقط على الصحيح من المذهب.
فإن عدم الأصناف جميعها فليخرج من قوت البلد من سائر أنواع الحب كالأرز والذرة والدخن وغيرها
* * *
1 / 22
كتاب الصيام
وإذا دخل شهر رمضان وجب عليه أن يصومه، لقوله تعالى: ﴿فمن شهد منكم الشهر فليصمه﴾ [البقرة: ١٨٥].
فإذا ثبت عنده دخول الشهر إما برؤيته نفسه الهلال، أو شهادة رجل واحد عدل بذلك، أو إكمال شعبان ثلاثين يومًا، أو حدوث غيم أو قتر في ليلة الثلاثين منه، نوى أي وقت من الليل من بعد غروب الشمس إلى قبل أن يطلع الفجر الثاني، أنه صائمٌ غدًا من شهر رمضان.
وهكذا كل ليلة إلى أن ينتهي الشهر.
وإن نوى في أول ليلة من الشهر أنه صائم الشهر جميعه كفاه ذلك في رواية ضعيفة، والصحيح الأول.
فإذا أصبح وجب عليه أن يمسك في جميع نهاره عن الأكل والشرب والجماع وجميع ما يصل إلى جوفه من أي موضع كان، وعن الحجامة لنفسه أو غيره، واستدعاء القيء والمني.
فإن خالف في جميع ذلك بطل صومه ووجب عليه الإمساك إلى غروب الشمس والقضاء، إلا الجماع فإنه يجب عليه مع ذلك كفارة وهي عتق رقبة مؤمنة سليمة من
1 / 23
العيوب المضرة في العمل، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا لكل واحد منهم مد من طعام وهو رطل وثلث بالعراقي، فيكون مائة وثلاثة وسبعين درهمًا وثلث درهم، أو نصف صاع من تمر أو شعير، فإن لم يجد ذلك فمن قوت بلده كما قلنا في الفطرة.
فإن لم يجد شيئًا سقطت عنه، واستغفر الله ﷿، وتاب إليه، وأحسن العمل في الباقي.
ويجتنب في نهار رمضان:
الخلوة بامرأة شابة، والقبلة لها، وإن كانت ممن تحل له، أو ذات رحم.
ويجتنب السواك بعد الزوال، ومضغ العلك، وجمع ريقه ثم بلع، وذوق الطعام عند الطبخ وغيره، والغيبة، والنميمة، والكذب، والسب، وغير ذلك.
ويستحب له:
تعجيل الإفطار إلا في يوم الغيم فتأخيره أفضل، وتأخير السحور إلا أن يكون ممن يخفى عليه طلوع الفجر، والأولى له أن يفطر على التمر أو الماء، ويدعو وقت الإفطار، لما روي عن النبي ﷺ أنه قال: (إذا صام أحدكم فقدم عشاؤه فليقل: بسم الله اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، سبحانك وبحمدك، اللهم تقبل منا فإنك أنت السميع العليم).
* * *
1 / 24
كتاب الاعتكاف
ويستحب له الاعتكاف.
ولا يكون إلا في مسجد يصلي فيه بالجماعة، وأولى المساجد الجامع إذا كان اعتكافه أيامًا يتخللها جمعة.
ويصح بغير صوم والأولى أن يكون بالصوم، لأنه أجمع لهمه، وأعون على كسر نفسه، وأليق باشتقاق ما هو بصدده.
لأن الاعتكاف هو حبس النفس في مكان مخصوص، ولزوم الشيء والمداومة عليه، قال الله تعالى: ﴿ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون﴾ [الأنبياء: ٥٢].
وهو من السنن المأثورة عن النبي ﷺ وأصحابه، لأن النبي ﷺ اعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان، ثم لم يزل على ذلك حتى توفاه الله تعالى، وندب الصحابة إليه فقال: (من أراد أن يعتكف فليعتكف العشر الأواخر).
فإذا اعتكف ينبغي له أن يتشاغل بفعل كل ما يقربه إلى الله تعالى من قراءة القرآن والتسبيح والتهليل والتكبير والتفكر ويجتنب كل ما لا يعنيه من القول والعمل.
ويلزم الصمت في غير ذكر الله تعالى.
ويجوز له التدريس وإقراء القرآن، لأن ذلك يتعدى نفعه إلى غيره، فهو أكثر ثوابًا من اشتغاله بخاصة نفسه.
ويجوز له الخروج من معتكفه لما لابد له منه، كالاغتسال من الجنابة، والأكل والشرب، وقضاء حاجة الإنسان من البول والغائط، وعند الخوف على نفسه من الفتنة والمرض الشديد وغير ذلك.
1 / 25
كتاب الحج
فإذا كملت في حقه شرائط الحج وجب عليه أداء الحج والعمرة على الفور، وهو أن يكون بعد إسلامه حرًا عاقلًا بالغًا مستطيعًا بالزاد والراحلة، وتخلية الطريق من عدو يمنعه، وإمكان المسير إليه وهو اتساع الوقت لأداء الحج، وصحة البدن للاستمساك على الراحلة.
والاستطاعة بالزاد والراحلة إنما تكون بعد تحصيل النفقة لعياله إلى أن يعود إليهم، والمسكن لهم، وقضاء الديون إن كانت عليه.
وأن يكون له كفاية بعد رجوعه من فضل ماله أو أجرة عقار أو بضاعة أو صناعة. فإن خالف وقصر بعياله وامتنع من قضاء دينه وخرج إلى الحج كان مأثومًا ظالمًا مسخوطًا عليه، لقول النبي ﷺ: (كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوته).
فإن سلم من المخالفة حتى فرغ من الحج والعمرة سقط عنه الحج.
(فصل) فإذا بلغ الميقات الشرعي وهو:
ذات عرق: إن كان من أهل المشرق.
والجحفة: إن كان من أهل المغرب.
وذو الحليفة: إن كان من أهل المدينة.
1 / 26
ويلملم: إن كان من أهل اليمن.
وقرن: إن كان من أهل نجد.
يغتسل ويتنظف أو يتيمم إن لم يجد الماء، ويتزر بإزار ويرتدي برداء، ويكونان أبيضين نظيفين، ويتطيب ويصلى ركعتين، ثم يحرم وينوى الإحرام بقلبه، ويلبي بالعمرة إن كان متمتعًا وهو الأفضل، أو بالحج المفرد، أو بالحج والعمرة جميعًا.
ويشترط أن يقول: اللهم إني أريد العمرة أو الحج أو إياهما جميعًا، فيسر ذلك لي وتقبل مني، وحلني حيث حبستني، ويلبي.
وصفة التلبية:
لبيك الله لبيك، لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
يرفع بذلك صوته، ويقول ذلك بعد الإحرام، وعقيب الصلوات الخمس، وفي إقبال الليل والنهار، والتقاء الرفاق، وإذا علا شرف أو هبط واديًا أو سمع ملبيًا، وفي مساجد الحرم وبقاعه، ويصلي على النبي ﷺ، ويدعو لنفسه بما أحب إذا فرغ من التلبية.
(فصل) فإذا أحرم لا يغطي رأسه، ولا يلبس المخيط ولا الخفين، فإذا فعل ذلك لزمه ذبح شاة، إلا ألا يجد الإزار والنعلين.
ولا يتطيب في بدنه وثيابه من سائر أنواع الطيب، فإن فعل ذلك متعمدًا غسله
1 / 27
وذبح شاة.
ولا يقلم أظفاره ولا يحلق شعره، فإن قلم ثلاثة أظفار أو حلق ثلاث شعرات من رأسه أو بدنه فعليه ذبح شاة، فإن كان دون ذلك ففي كل ظفر أو شعرة مد من طعام.
ولا يعقد النكاح لنفسه ولا لغيره، ويجوز له الارتجاع.
ولا يباشر الزوجة والأمة في الفرج ولا دون الفرج، فإن فعل ذلك بطل حجه إذا كان ذلك قبل رمي جمرة العقبة.
ولا يستمني، ولا يكرر النظر، فإن فعل فأمنى فعليه الكفارة وهي ذبح شاة.
ولا يقتل الصيد المأكول، وما تولد من مأكول وغير مأكول.
ولا يأكل ما صيد لأجله، أو أشار إليه، أو دل عليه، أو أعان على ذبحه، مثل أن يمسكه له أو يعيره سكينًا ونحو ذلك، فإن فعل ذلك فعليه الجزاء مثله من النعم:
فإن كان الصيد نعامة فعليه: بدنة.
وإن كان حمار وحش فعليه: بقرة.
وإن كان بقرة الوحش وأنواعها فعليه: بقرة.
وإن كان غزالًا أو ثعلبًا فعليه: عنز.
وإن كان ضبعًا: فكبش.
وإن كان أرنبًا: فعناق.
وإن كان يربوعًا: فجفرة.
وفي الضب: جدي.
وفي الكبير كبيرٌ، وفي الصغير صغيرٌ، على مثل ما قتل في جميع الصفات.
وإن كان ذلك حمامًا -وكل مطوق حمام -ففي كل واحد: شاة.
فإن لم يكن له مثل فقيمته، يرجع في معرفة ذلك إلى قول عدلين من المسلمين.
ويجوز له ذبح الحيوان الأنسي وأكله.
1 / 28
ويجوز له قتل كل ما فيه مضرة كالحية والعقرب والكلب العقور والسبع والنمر والذئب والفهد والفأرة والغراب الأبقع والحدأة والبزاة وأنواعها، والزنبور والبق والبراغيث والقراد والأوزاغ والذباب وجميع حشرات الأرض، ويجوز قتل النمل عند الأذية، وكذلك القمل والصبئان في إحدى الروايتين، والأخرى عليه أن يتصدق بما أمكن.
ولا يقتل صيد الحرم، فإن قتله كان حكمه كما ذكرنا في صيد الإحرام.
ولا يقطع أشجار الحرم ولا يقلعها، فإن فعل ذلك ضمن الشجرة الكبيرة ببقرة، والصغيرة بشاة.
وكذلك صيد المدينة وشجرها يحرم عليه، إلا أن جزاءهما سلب ما عليه من الثياب، ويكون ذلك حلالًا لمن أخذه.
(فصل)
فإن كان في الوقت سعة فأمكنه دخول مكة قبل يوم عرفة بأيام، فالمستحب له أن يغتسل غسلًا كاملًا ويدخلها من أعلاها.
فإذا بلغ المسجد الحرام دخل من باب بني شيبة، ويرفع يديه عند رؤية البيت ويقول: اللهم إنك أنت السلام ومنك السلام، حينًا ربنا بالسلام، اللهم زد هذا البيت تعظيمًا وتشريفًا وتكريمًا ومهابة وبرًا، وزد من شرفه وعظمه ممن حجه أو اعتمره تعظيمًا وتشريفًا وتكريمًا ومهابة وبرًا، الحمد لله رب العالمين، والحمد لله كثيرًا كما هو أهله، وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله، الحمد لله الذي بلغني بيته ورآني لذلك أهلًا، والحمد لله على كل حال، اللهم إنك دعوت إلى حج بيتك، وقد جئناك لذلك، اللهم تقبل مني واعف عني وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت.
يرفع بذلك صوته، ثم يطوف للقدوم ويضطبع بردائه، فيكشف كتفه الأيمن ويستر الأيسر، ثم يتقدم إلى الحج الأسود، فيستلمه بيده ويقبله إن أمكنه، وإلا استلمه وقبل يده، فإن زحم أشار بيده إليه ويقول:
(بسم الله والله أكبر، إيمانًا بك وتصديقًا بكتابك ووفاء بعهدك وإتباعًا لسنة نبيك محمد ﷺ).
1 / 29