وصاح صابر: اخرجوا الآن واتركوا أباكم الذي حطمتم، وأمكم التي ربتكم كأبنائها ولم تشفقوا على وحيدها.
وحاول عبد الودود أن يقول: ولكن يا ...
وقبل أن يكمل يصيح أبوه: ولا كلمة، اخرجوا الآن، والموضوع لم ينته، بل لن ينتهي إلا حين يعود صديق، وسيعود رغم أنفك يا عبد الغني ورغم أنفك يا عبد الودود، هيا اخرجوا، أريد أن أفرغ لهذه المسكينة وأبث إلى قلبها الإيمان الذي في قلبي.
11
وضعت أمامه طعاما وراح يأكل، وراحت تنظر إليه في إعجاب شديد وفي عجب أشد أن له سرا لا يريد البوح به. وكان صديق جائعا، فراح يأكل وكأنه يرى ما يدور بذهنها؛ فهو يخشى أن تحادثه ويخشى أن تستدرجه. وفي ذكاء المرأة الموهوب والمكتسب قالت زهيرة: كل وأنت مطمئن، لن أسألك شيئا، ولك الحرية المطلقة أن تحتفظ بسرك.
وحين حاول أن ينفي احتفاظه بسر قاطعته: لا تقل كلمة، فقط كل، وتأكد أننا سنجعلك سعيدا.
وآثر صديق الصمت، وراح يأكل وهو أكثر اطمئنانا.
وجاء وجدي ومعه ملابس لصديق، ومن بينها بيجاما للنوم، وأمسكت بها زهيرة: أحسنت يا وجدي! إنها مناسبة له. هيا يا صديق لتلبسها وتستريح قليلا.
ولبى صديق الأمر تاركا أمر مستقبله لله. وحين هدأ به الفراش قال في نفسه: ما مصير ذلك الحلم الذي رأيته منذ قريب ورويته لأبي؟ كنت في الحلم تائها، ومع ذلك كنت أعرف طريقي. أسير في سراديب لا أتبين معالمها، ولكنني كنت فيها أسير على هدى. وانتهت بي الطرقات المتشابكة من العتبة إلى جبل شاهق، رأيتني وكأنني أقف على قمته وفي السفح عبد الغني وعبد الودود وناهد ورندة ومعهم أبي وأمي يشيران إلي أن أصفح عن أخوي. وأفهم الإشارة وأرى في سمتها الشمس وكأنها تطلب إلي أن أستجيب لما يشير به أبي وأمي.
حين روى لأبيه الحلم وقد فرغ من صلاة الفجر وقرآنه، التفت إليه وقال: أنت مبارك يا صديق، احفظ عليك رؤياك لا يعلمها أخواك.
Shafi da ba'a sani ba