وصاح سعدان: انتظر يا عم هنداوي خذني معك، إن الله الغني عن الفلوس إن كنت سآخذها من البهوات. خذني معك.
وخرج الاثنان وقال عبد الغني: أرأيت أن أبي يدير الأرض بضعف شديد؟ وهذا الرجل والذين يساعدونه يأكلون أبي أكلا. - إنه ليس له عمل إلا عبادة الله، أما الأرض فهو لا يهتم بها ويتركها لهؤلاء اللصوص. - لو تركها لنا لجعلنا دخلنا من الأرض عشرة أضعاف إنتاجها الآن. - على كل حال أين ستذهب الأرض؟! إنها لنا آخر الأمر. - مت يا حمار! إن أبي ما زال صغيرا، هل سننتظر حتى تصبح الأرض ملكنا؟ - ويلك ماذا تريد أن تفعل؟! - لا، ليس إلى هذا الحد، وإنما علينا أن نراقب نحن الأرض ونحاول إبعاد اللصوص عنها، ونطلب إلى أبينا أن ينشغل هو بالعبادة والتفرغ للفروض والسنن. - وهل يقبل؟ - نسايسه. - وإذا رفض؟ - نسكت بعض الوقت ثم نعاود الكرة.
4
مر أكثر من عام على موت حامد، والمرتب الذي فرضه صابر على نفسه لم ينقطع يوما عن يد رحيمة، وكان صابر يتحرى أن يذهب إلى بيت داود أفندي في الأوقات التي يكون واثقا فيها أنه سيجد داود خارج المنزل، وأن حماته ليست في زيارة لأختها.
وكان يدخل فتستقبله رحيمة ومعها هند، وفي ذكاء متفق عليه تقوم هند لتعد له القهوة ويسلم هو الظرف إلى رحيمة، وحين تعود هند بالقهوة يبدأ الحديث وأغلبه طبعا للست رحيمة، ولكن الحديث الطويل الطريف الضاحك لم يستطع أن يمنع نظرات أن تلتقي خلجات وجهين وابتسامات شفاه مختلسة أن تتشابك في حوار عالمي طويل، ربما كان جديدا على صابر وربما كان جديدا على هند، ولكنه باليقين والقطع ليس جديدا على البشرية منذ أكل آدم تفاحة حواء، وإن يكن صابر قد تزوج وداد بعد حب، إلا أنه كان يصارحها بحبه، وما كان في حاجة أن يختلس النظرة أو الخلجة أو الابتسامة.
وإن تكن هند قد تزوجت من حامد، فإنها لم تكن تدري ما الحب معه؛ فقد تزوجها لأنه تعرف إلى أبيها في المدرسة، وعرف أن لديه ابنة جميلة من الزملاء.
وكان صابر يحرص ألا يجعل زيارته مرة كل شهر، مدعيا أنه ينبغي أن يزور في الشهر مرات حتى لا تعرف هند أنه يقدم إليها معونة، ويحاول صابر في جهد جهيد أن يخفي عن نفسه أنه يحب. ويحاول أن يرفض هذا الحب مدعيا أنه ينبغي ألا يتزوج بعد أن فقد زوجه وهواه، ويحاول أن يقنع نفسه بأن هند هي أيضا ربما ترفض الزواج بعد فقد زوجها.
وتنماع الحجج التي يسوقها لنفسه والتي يتوهمها لهند، ويفرض الحب نفسه وتفرض البشرية نفسها، فعندها لا فارق بين عابد وغير عابد، فكلهم عند مطالبها بشر، وكلهم ... وكلهم ... عليهم أن يخضعوا لبشريتهم ولهم أن يختاروا طريق الخضوع؛ منهم من يختاره في خفاء عن عيون الناس وفي معصية لشرائع السماء، ومنهم من يختاره في عربدة بوهيمية، ومنهم من يختاره بالطريق المشروع في نزاهة وشرف ووضوح.
ذهب صابر في ذلك اليوم إلى بيت داود، واستقبلته رحيمة وعلى ملامحها معالج جد غريبة على وجهها، واستقبلته هند وفي محياها وجوم لم يره على محياها منذ شهور.
وذهبت هند إلى القهوة المزعومة، وسارعت رحيمة تقول: يا سي صابر، هند جاءها عريس.
Shafi da ba'a sani ba