57

Abincin Hankali

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

Mai Buga Littafi

مؤسسة قرطبة

Lambar Fassara

الثانية

Shekarar Bugawa

1414 AH

Inda aka buga

مصر

Nau'ikan

Tariqa
قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْكَلِمِ الطَّيِّبِ: وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ قَالَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ: لَسْت أَسْكُنُ الْبُيُوتَ وَلَا تَسَعُنِي، وَأَيُّ شَيْءٍ يَسَعُنِي وَأَيُّ بَيْتٍ يَسَعُنِي وَالسَّمَوَاتُ حَشْوُ كُرْسِيٍّ، وَلَكِنْ أَنَا فِي قَلْبِ الْوَادِعِ التَّارِكِ لِكُلِّ شَيْءٍ سِوَايَ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَهَذَا مَعْنَى الْأَثَرِ الْآخَرِ «مَا وَسِعَتْنِي سَمَوَاتِي وَلَا أَرْضِي وَوَسِعَنِي قَلْبُ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ» . وَقَالَ الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ الْوَاسِطِيُّ فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ: إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ خَيْرًا أَقَامَ فِي قَلْبِهِ شَاهِدًا مِنْ ذِكْرِ الْآخِرَةِ يُرِيهِ فَنَاءَ الدُّنْيَا وَزَوَالَهَا، وَبَقَاءَ الْآخِرَةِ وَدَوَامَهَا، فَيَزْهَدُ فِي الْفَانِي وَيَرْغَبُ فِي الْبَاقِي، فَيَبْدَأُ بِالسَّيْرِ وَالسُّلُوكِ فِي طَرِيقِ الْآخِرَةِ. وَأَوَّلُ السَّيْرِ فِيهَا تَصْحِيحُ التَّوْبَةِ، وَالتَّوْبَةُ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْمُحَاسَبَةِ وَرِعَايَةِ الْجَوَارِحِ السَّبْعَةِ الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ وَإِلَخْ، وَكَفِّهَا عَنْ جَمِيعِ الْمَحَارِمِ وَالْمَكَارِهِ وَالْفُضُولِ. هَذَا أَحَدُ شَطْرَيْ الدِّينِ، وَيَبْقَى الشَّطْرُ الْآخَرُ وَهُوَ الْقِيَامُ بِالْأَوَامِرِ، فَتَحْقِيقُ الشَّطْرِ الْأَوَّلِ وَهُوَ تَرْكُ الْمَنَاهِي مِنْ قَلْبِهِ وَقَالِبِهِ أَمَّا الْقَالِبُ فَلَا يَعْصِي اللَّهَ بِجَارِحَةٍ مِنْ جَوَارِحِهِ، وَمَتَى زَلَّ أَوْ أَخْطَأَ تَابَ. وَأَمَّا الْقَلْبُ فَيُنَقَّى مِنْهُ الْمُوبِقَاتُ الْمُهْلِكَاتُ مِثْلُ الرِّيَاءِ وَالْعُجْبِ وَالْكِبْرِ وَالْحَسَدِ وَالْبُغْضِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَحُبِّ الدُّنْيَا وَرَدِّ الْحَقِّ وَاسْتِثْقَالِهِ وَالِازْدِرَاءِ بِالْخَلْقِ وَمَقْتِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْكَبَائِرِ الْقَلْبِيَّةِ الَّتِي هِيَ فِي مُقَابَلَةِ الْكَبَائِرِ الْقَالَبِيَّةِ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا وَالْقَذْفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَهَذِهِ كَبَائِرُ ظَاهِرَةٌ وَتِلْكَ كَبَائِرُ بَاطِنَةٌ. قَالَ فَمَنْ انْطَوَى عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْكَبَائِرِ الْبَاطِنِيَّةِ وَلَمْ يَتُبْ حَبِطَ عَمَلُهُ بِدَلِيلِ «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» وَجَاءَ أَنَّ «الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ» . وَجَاءَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا فَأَشْرَكَ مَعِي فِيهِ غَيْرِي تَرَكْته وَشِرْكَهُ» . وَقَالَ تَعَالَى ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: ١١٠] فَمَتَى تَنَقَّى الْقَلْبُ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الْخَبَائِثِ وَالرَّذَائِلِ طَهُرَ وَسَكَنَتْ فِيهِ الرَّحْمَةُ فِي مَكَانِ الْبُغْضِ، وَالتَّوَاضُعُ فِي مُقَابَلَةِ الْكِبْرِ، وَالنَّصِيحَةُ فِي مُقَابَلَةِ الْغِشِّ، وَالْإِخْلَاصُ فِي مُقَابَلَةِ الرِّيَاءِ، وَرُؤْيَةُ الْمِنَّةِ فِي مُقَابَلَةِ الْعُجْبِ وَرُؤْيَةِ النَّفْسِ. فَعِنْدَ ذَلِكَ تَزْكُو الْأَعْمَالُ وَتَصْعَدُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَيَطْهُرُ الْقَلْبُ، وَيَبْقَى مَحَلًّا لِنَظَرِ الْحَقِّ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَمَعُونَتِهِ. فَهَذَا أَحَدُ شَطْرَيْ

1 / 64