الغزالي ونظام الملك
جاء في كتاب المقفى:
فلما مات أبو المعالي خرج الغزالي قاصدا نظام الملك، وناظر الأئمة والكبار في مجلسه، وقهر الخصوم، وظهر كلامه على الكل، واعترف بفضله الخاص والعام، وتلقاه نظام الملك بالقبول، وأحله محل النفوس، وأجله إجلال الرءوس، ثم ولاه التدريس بمدرسته النظامية ببغداد، وأمره بالتوجه إليها؛ فقدم بغداد سنة أربع وأربعمائة وهو في الرابعة والعشرين من عمره.
إلى أن يقول:
ثم درس بالنظامية، فأعجب الكل بحسن كلامه، وكمال فضله، وعبارته الرشيقة، ومعانيه الدقيقة، وإشاراته اللطيفة، ونكته الظريفة.
وفي بغداد تمتع الغزالي بما اشتهى من جاه ومال وسيادة، وأحله نظام الملك مكانا عليا، واتسعت حلقات دروسه، واشتهر بفتاواه الشرعية البارعة، وابتدأ في تأليف كتبه التي سيخلد بها.
وقد كان لنظام الملك تأثير بعيد المدى على الغزالي، فنظام الملك صوفي شديد التعلق بالصوفية، شديد التعصب لمبادئهم وطرائقهم، مسرف أشد الإسراف في البذل عليهم وإعداد التكايا لهم.
حتى ليواجه الخليفة بتلك القولة الغريبة، وهو يعاتبه لإسرافه في النفقة عليهم وإهمال الجيوش: «لقد أقمت لك عبادا بالليل، لو صاحوا لزلزلت الدنيا بخصومك ومادت الأرض بهم.»
كان لنظام الملك فضل توجيه الغزالي إلى التصوف والصوفية، وقد كان شديد الخصومة لهم شديد الإسراف في نقدهم، فاندفع الغزالي كعادته يبحث كتبهم، ويغشى مجالسهم، بل ويشترك في حلقات ذكرهم، ولكن تلك المبادئ السمحة لم تقنع الغزالي، بل لم تستطع أن تنزع ريشة واحدة من طائر الشك المحلق في رأسه؛
2
Shafi da ba'a sani ba