يقول] ١: من ضيق علم الرجل أن يُقلّد دينه الرجال. وقد قال: لا تقلد دينك الرجال فإنهم لم يسلموا من أن يغلطوا. وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين"٢. ولازم ذلك أن من لم يفقّهه الله ﷿ في الدين لم يرد به خيرًا، فيكون التفقه في الدين فرضًا، والتفقه في الدين معرفة الأحكام الشرعية بأدلتها السمعية، فمن لم يعرف ذلك لم يكن متفقهًا في الدين.
لكن من الناس من قد يعجز عنها فيلزمه ما يقدر عليه، ومن كان قادرًا على الاستدلال فقيل يحرم عليه التقليد مطلقًا، وقيل يجوز مطلقًا، وقيل يجوز عند الحاجة كما إذا ضاق الوقت عن الاستدلال، وهذا القول أعدل الأقوال إن شاء الله تعالى. والاجتهاد ليس هو أمرًا واحدًا لا يقبل التجزي والانقسام، بل يكون الرجل مجتهدًا في فن أو باب أو مسألة دون فن وباب ومسألة، وكل [أحد] فاجتهاده بحسب وسعه، فمن نظر في مسألة قد تنازع العلماء فيها فرأى مع أحد القولين نصوصًا لم يعلم لها معارضًا بعد نظر مثله فهو بين أمرين: إما أن يتبع قول القائل الأخير لمجرد كونه الإمام الذي اشتغل على مذهبه، ومثل هذا ليس بحجة شرعية، بل مجرد عادة تعارضها عادة غيره واشتغاله بمذهب إمام آخر، وإما أن يتبع القول الذي ترجح في نظره بالنصوص الدالة عليه، فحينئذ موافقته لإمام يقاوم ذلك الإمام، وتبقى في النصوص النبوية سالمة في حقه عن المعارض بالعمل، فهذا هو الذي يصلح. وإنما تنزلنا هذا التنزل لأنه قد يقال: إن نظر هذا قاصر، وليس اجتهاده تامًا في هذه المسألة لضعف آلة الاجتهاد في حقه. أما إذا قدر على الاجتهاد التام الذي يعتقد معه أن القول الآخر ليس معه ما يدفع النص؛ فهذا يجب عليه اتباع النصوص، وإن لم يفعل كان متبعًا للظن وما تهوى الأنفس، وكان من أكبر العصاة لله تعالى ورسوله، بخلاف من يقول للقول الآخر حجة راجحة على هذا النص، ويقول أنا لا أعلمها، فهذا يقال له: قد قال الله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا