ولما تأكد السير جون أن صلة الحب بين ابنته وبين الشاب روبرت ددلي قد أصبحت وثيقة، وأنها يتمنيان الزواج، زوجهما بحضور الملك إدوارد الخامس في حفلة باهرة، وكان سن الزوجة إذ ذاك ثمانية عشرة عاما، أما الزوج فكان يكبرها بعام واحد.
اشتهر العهد الذي حدثت فيه هذه الواقعة بالقسوة الشديدة، ولم تكن القسوة هي قسوة الإنسان على الحيوان، بل كانت قسوة الإنسان على أخيه الإنسان! كان من السهل إذ ذاك أن يستأجر المرء قاتلا ليخلصه من عدوه، كما كان كل المتصلين بالبلاط يخشون السم، حتى إن الناس كان يحذر بعضهم بعضا من تناول أي شراب لم تعده يد يثق بها وبإخلاصها، وكلما علا مركز الشخص كلما ازداد الخطر على حياته.
وعندما تزوجت آمي من روبرت ددلي الجميل، لم يكن أحدهما يخشى الموت الفجائي؛ إذ على الرغم من سمو مركزهما وصغر سنهما لم يكن هناك من يكن لهما شيئا من العداء أو الحسد. ولما كان السير جون روبزارت يظهر الحب لابنته، فقد منحها هي وزوجها قصره في سيدرستون.
بين أحضان السعادة
أخذ الزمن يمر تباعا، وكانت آمي تزداد جمالا، وكانت تفوق زميلاتها الجميلات المتأنقات في العناية بالملبس. وكانت العناية العظيمة بالملبس، سواء أكانت ملابس الرجال أم النساء، شيئا عاديا في ذلك العهد، كما لم يكن غريبا أن تحلي المرأة ملابسها بالأحجار الكريمة واللآلئ. وكانت اللادي روبزارت ددلي تصرف مقدارا عظيما من المال سنويا على ملابسها دون أن يؤثر ذلك في ماليتها، وما لبث والدها أن توفي فورثت عنه مالا وفيرا، وأصبحت أغنى مما كانت بكثير.
على أن شيئا واحدا كان يسبب لها الحزن والألم في حياتها، وذلك هو إخفاقها في الحصول على البنين، وكان زوجها يشاركها في ألمها ورغبتها العظيمة في الحصول على ولد.
كان من العبث في ذلك الوقت أن يحاول الإنسان أن يحيا حياة هادئة ساكنة حتى إذا كان سعيد الحظ مثل آمي روبزرات؛ ولذلك لم يمض على زواجها أكثر من ثلاثة أعوام حتى زج بزوجها روبرت ددلي في السجن متهما بالاشتراك في تدبير ثورة ضد الملك. ومع أن سن زوجته آمي كان إذ ذاك لا يزيد على واحد وعشرين عاما، إلا أنها برهنت على شجاعة فائقة ومهارة؛ فقد أدرات أعمال زوجها بنفسها، وأسرعت إلى لندن حيث تمكنت من أن تحصل على إذن بمقابلته في السجن بعد أن صادفتها صعوبات جمة.
وتابعت مساعيها حتى أفرج عن زوجها، وعاد الزوجان عقب ذلك إلى الريف حيث عاشا معيشة بذخ وحب متبادل.
اليصابات
وفي السابع عشر من شهر نوفمبر 1558، ارتقت إليزابيث العرش الإنجليزي، وقد خلد هذا اليوم على وجه التاريخ، وبمجرد أن صارت ملكة أظهرت العطف والود لصديق طفولتها وزميلها في ألعابها روبرت ددلي، فأنعمت عليه في بادئ الأمر بلقب فارس، ثم ما لبثت أن أنعمت عليه بنيشان ربطة الساق. وأخذت آمي روبزارت إذ ذاك تلاحظ على زوجها «انشغاله في مهام خطيرة ملقاة على عاتقه تسبب له هما كثيرا»، كما عبرت هي بنفسها عن تلك المشاغل. وقد اتضح أن الملكة إليزابيث لا تكاد تتركه يغادر أنظارها. وما لبث اهتمام جلالتها بهذا الشاب الذي كان أجمل شبان القصر شكلا، وأذكاهم عقلا، وأصغرهم سنا، أن أخذ يلفت أنظار السفراء الأجانب، ويثير غضب النبلاء التابعين للملكة.
Shafi da ba'a sani ba