209

من غير أن يريد فيما بين ذلك خلق شيء آخر. والمراد بالسماء جهات العلو كأنه قيل : ثم استوى إلى فوق ، أو هذا كقولك لآخر «اعمل هذا الثوب» وإنما معه غزل. على أنها كانت دخانا ثم سواها سبع سموات. و «ثم» هاهنا إما للتراخي في الوقت والمراد أنه حين قصد إلى السماء لم يحدث فيما بين ذلك أي في تضاعيف القصد إليها خلقا آخر كما قلنا ، أو للتفاوت بين الخلقين. وفضل خلق السموات على خلق الأرض كقوله ( فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر ) [المؤمنون : 14] وكقوله ( ثم كان من الذين آمنوا ) [البلد : 17] وتفسير هذه الآية في قوله ( قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ) [فصلت : 9 ، 10] يعني تقدير الأرض في يومين ، وتقدير الأقوات في يومين ، كما يقول القائل : من الكوفة إلى المدينة عشرون يوما ، وإلى مكة ثلاثون يوما ، يريد أن جميع ذلك هو هذا القدر. ثم استوى إلى السماء في يومين آخرين ، ومجموع ذلك ستة أيام كما قال ( خلق السماوات والأرض في ستة أيام ) [يونس : 3] فإن قيل : أما يناقض هذا قوله ( والأرض بعد ذلك دحاها ) [النازعات : 30] قلنا : أجاب في الكشاف لا ، لأن جرم الأرض تقدم خلقه خلق السماء ، وأما دحوها فمتأخر. وعن الحسن : خلق الله الأرض في موضع بيت المقدس كهيئة الفهر عليها دخان ملتزق بها ، ثم أصعد الدخان وخلق منه السموات وأمسك الفهر في موضعه وبسط منه الأرض فذلك قوله ( كانتا رتقا ) [الأنبياء : 30] وهو الالتزاق ، وزيف بأن الأرض جسم عظيم يمتنع انفكاك خلقها عن التدحية. وأيضا قوله تعالى ( خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء ) يدل على أن خلق الأرض وخلق ما فيها مقدم على خلق السماء ، لأن خلق الأشياء في الأرض لا يمكن إلا إذا كانت مدحوة. وقال بعض العلماء في دفع التناقض قوله ( والأرض بعد ذلك دحاها ) [النازعات : 30] يقتضي تقدم خلق السماء على الأرض ، ولا يقتضي أن تكون تسوية السماء مقدمة على خلق الأرض ، وزيف أيضا بأن قوله ( أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها. وأغطش ليلها وأخرج ضحاها. والأرض بعد ذلك دحاها ) [النازعات : 27 30] يقتضي أن يكون خلق السماء وتسويتها مقدما على تدحية الأرض ، بل على خلقها لأنهما متلازمان. وحينئذ يعود التناقض والمعتمد عند بعضهم في دفعه أن يقال «ثم» ليس للترتيب هاهنا ، وإنما هو على جهة تعديد النعم. مثاله : أن تقول لغيرك : ألست قد أعطيتك نعما عظيمة ، ثم رفعت قدرك ، ثم دفعت عنك الخصوم؟ ولعل بعض ما أخرته في الذكر مقدم في الوقوع.

Shafi 211