Gharaibul Kur'ani
غرائب القرآن و رغائب الفرقان
فيما يلينا إلى جهة السماء ، فليستبعد هبوطها في مقابلة ذلك ، لأن ذلك الهبوط صعود أيضا إلى السماء ، فإذن لا حاجة في سكون الأرض وقرارها في حيزها إلى علاقة من فوقها ، ولا إلى دعامة من تحتها ، بل يكفي في ذلك ما أعطاها خالقها وركز فيها من الميل الطبيعي إلى الوسط الحقيقي بقدرته واختياره ( إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ) [فاطر : 41] ومما من الله تعالى به على عباده في خلق الأرض أنها لم تجعل في غاية الصلابة كالحجر ، ولا في غاية اللين والانغمار كالماء ، ليسهل النوم والمشي عليها ، وأمكنت الزراعة واتخاذ الأبنية منها ويتأتى حفر الآبار وإجراء الأنهار. ومنها أنها لم تخلق في نهاية اللطافة والشفيف لتستقر الأنوار عليها وتسخن منها فيمكن جوارها. ومنها أن جعلت بارزة بعضها من الماء مع أن طبعها الغوص فيه لتصلح لتعيش الحيوانات البرية عليها ، وسبب انكشاف ما برز منها وهو قريب من ربعها أنها لم تخلق صحيحة الاستدارة بل خلقت هي والماء بحيث إذا انجذب الماء بطبعه إلى المواضع الغائرة والمنخفضة منها بقي شيء منها مكشوفا ، وصار مجموع الأرض والماء بمنزلة كرة واحدة يدل على ذلك فيما بين الخافقين. تقدم طلوع الكواكب وغروبها للمشرقين على طلوعها وغروبها للمغربين ، وفيما بين الشمال والجنوب ازدياد ارتفاع القطب الظاهر وانحطاط الخفي للواغلين في الشمال ، وبالعكس للواغلين في الجنوب ، وتركب الاختلافين لمن يسير على سمت بين السمتين إلى غير ذلك من الأعراض الخاصة بالاستدارة يستوي في ذلك راكب البر وراكب البحر. ونتوء الجبال وإن شمخت لا يخرجها عن أصل الاستدارة لأنها بمنزلة الخشونة القادحة في ملاسة الكرة لا في استدارتها. ومنها الأشياء المتولدة فيها من المعادن والنبات والحيوان والآثار العلوية والسفلية ، ولا يعلم تفاصيلها إلا موجدها. ومنها أن يتخمر الرطب به فيحصل التماسك في أبدان المركبات. ومنها اختلاف بقاعها في الرخاوة والصلابة والدماثة والوعورة بحسب اختلاف الأعراض والحاجات ( وفي الأرض قطع متجاورات ) [الرعد : 4] ومنها اختلاف ألوانها ( ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ) [فاطر : 27] ومنها انصداعها بالنبات ( والأرض ذات الصدع ) [الطارق : 12] ومنها جذبها للماء المنزل من السماء ( وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض ) [المؤمنون : 18] ومنها العيون والأنهار العظام التي فيها ( والأرض مددناها ) [ق : 7] ومنها أن لها طبع الكرم والسماحة تأخذ واحدة وترد سبعمائة ( كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ) [البقرة : 261] ومنها حياتها وموتها ( وآية لهم الأرض الميتة أحييناها ) [يس : 33] ومنها الدواب المختلفة ( وبث فيها من كل دابة ) [البقرة : 164] ومنها النباتات المتنوعة ( وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج ) [ق : 7] فاختلاف ألوانها دلالة ، واختلاف طعومها دلالة ، واختلاف
Shafi 183