Gharaib Ightirab
غرائب الاغتراب ونزهة الألباب في الذهاب والإقامة والإياب
Nau'ikan
ilimin ƙasa
إلى آخر ما قال. ونسجه على هذا المنوال. فقلت يا سيدي إن الرجل عالم منقول. لا فارس ميدان معقول. فقال غالب علماء الحجاز. ليس لهم إلى حقيقة الفلسفة مجاز. وسكت عن التقتير في ذلك الكلام. لعلمي بأن قائله أحد شيوخه الفخام.) وإني أقول الآن (وعلى الله تعالى التكلان. أنهم اختلفوا في أمر الأرض اختلافًا كثيرًا والذي ذهب إليه محققو المتقدمين استعارة السطح الظاهر أي المرئي من الأرض والماء عند الحس قالوا لو كانت الأرض مقعرة في طولها أي فيما بين المشرق والمغرب لكان من الطلوع إلى نصف النهار للمغربي أكثر منه للمشرق وبالعكس ولكان طلوع الكوكب على المغربي قبل طلوعه على المشرقي إذا اتفقا في عرض المسكن. ولو كانت مقعرة في العرض أي فيما بين الجنوب والشمال لكان التوغل في الشمال يوجب اختفاء القطب والكواكب القريبة منه ولو كانت مسطحة لكان الطلوع على الجميع معًا ولو كانت كثيرة الأضلاع لكان على ساكني كل سطح منها معًا. ولو كانت اسطوانة قاعدتاها نحو القطبين كما ظن قوم لم يكن لساكني الاستدارة كوكب أبدى الظهور بل أما الجميع طالعة غاربة أو كانت كواكب تكون من كل واحد من القطبين على بعد يستره القاعدتان أبدية الخفاء والباقية طالعة غاربة ولو كانت قاعدتاها نحو الخافقين لكان الطلوع والغروب على أهلهما معًا. ولو كانت كمخروطين رأساهما نحو الخافقين لكان الطلوع والغروب على من في نصف الطول أي على من في سطح أحد المخروطين معًا. ولو كان رأساهما نحو القطبين لما كان التوغل يوجب ظهور الكواكب وارتفاع القطر ولو كانت كمخروطين قاعدتاهما نحو القطبين أو الخافقين لزم منهما ما لزم من التقعير. والتوالي بأسرها كاذبة وذلك لتساوي ما بين الطلوع إلى نصف النهار ومنه إلى الغروب للمغربي والمشرقي المتفقين في عرض المسكنين ولتقدم طلوع الكواكب وغروبها للمشرقيين على طلوعها وغروبها للمغربيين وزيادة ذلك ونقصانه بحسب بعد المسافة وقربها في مساكن متفقة العرض وازدياد ارتفاع القطب الشمالي والكواكب الشمالية وانحطاط الجنوبي الكواكب الجنوبية للواغلين في الشمال وبالعكس للواغلين في الجنوب بحسب وغولهما وتركب الاختلافين للسائرين على ما سمت بين سمتين فأن السائر على خط بين المشرق والشمال مثلًا يتقدم له الطلوع ويزداد ارتفاع القطب على ما كان عنده في الموضع الذي فارقه بقدر ما يقتضيه تباعده عنه إلى المشرق والشمال وإذا بطل كون السطح الظاهر من الأرض مقعرًا أو مسطحًا وغير ذلك مما ينافي الانحداب تعين كونه محدبًا على شكل الكرة لأنا نجد التفاوت في أوقات الخسوفات وفي عروض البلدان على حسب تفاوت أجزاء الدائرة وذلك لأن نسبة ما بين الابتداء والانتهاء في المسير على خط نصف النهار إلى مسافة ما بين الابتداء والانتهاء في المسير على خط الاستواء وما يوازيه كنسبة ارتفاع أو انحطاط القلب أعني فضل ما بين الارتفاعين في المسكنين إلى تقدم أو تأخر الطلوع في المسكنين فإذًا السطح الظاهر من الأرض مستدير انتهى. وحيث كان المدعي استدارة السطح الظاهر لم يتوجه القدح في هذا الدليل المقام عليه بأنه إنما يدل على استدارة الربع المسكون لا على استدارة جميع الأرض كما لا يخفى. وإذا ثبت ذلك المدعى) فاعلم (أن التضاريس التي تلزم الأرض من جهة الجبال والأغوار لا تخرجها عن أصل الاستدارة إذ لا نسبة لها محسوسة بالنسبة إليها فإن نسبة أعظم جبل على الأرض وهو ما ارتفاعه فرسخان وثلث على ما ذكره بعض المهندسين إلى الأرض كنسبة سبع عرض شعيرة إلى كرة قطرها ذراع بالتقريب. ثم أن ستر سطح مياه البحار أسافل الجبال الطالعة منها دون أعاليها المرتفعة وظهورها قليلًا قليلا للتقارب إليها على ما دل عليه إيقاد نيران بعضها أرفع من بعض على الجبال المذكورة مضافًا إلى ما مر في الأرض يدل على استدارة السطح العالي من الماء وأنه مع الأرض ككرة واحدة وذلك لأن ما يدل على استدارة سطح كل واحد منهما وحده يدل على استدارة السطح المركب من الأرض والماء فإذًا يحيط بهما سطح واحد كل الخطوط الخارجة من مركزها أما إلى سطح الماء فمتساوية تحقيقًا وأما إلى سطح الأرض تقريبًا لما فيها من التضاريس وأما غير السطح العالي من الماء فنابع لمكانه الحاوي له) وبالجملة (هم اعتبروا الأرض والماء كالكرة الواحدة واستدلوا على الاستدارة بما
1 / 182