وقد حمل علي بعضهم عندما أعلنت آرائي بشأن اللغة الأجنبية للتعليم، واتهموني بأني أكره الثقافة الأجنبية أو تعلم اللغة الإنجليزية. مع أنه ليس هناك قارئ لمجلة «يونج أنديا» إلا ويعلم أني أعد اللغة الإنجليزية اللغة التجارية العالمية، والسياسية الدبلوماتية، ولذلك لا بد من أن يتعلمها عدد منا. ثم هذه اللغة تحتوي على كنوز خصبة للآداب والأفكار. ولذلك أرى تشجيع القادرين على تعلمها إذا وجدوا في أنفسهم الاستعداد. وأرى أنه يجب أن ينقلوا إلى اللغات الهندية ما في هذه اللغة من كنوز أدبية.
فإقامة الحواجز لمنع الثقافة الأجنبية هو أبعد الأشياء عن ذهني. ولكني أقول إننا لن نستطيع تقدير هذه الثقافة إلا بعد أن نكون قد تشبعنا بثقافتنا الهندية. ورأيي الذي لا أحيد عنه هو أنه ليس في العالم ثقافة تحتوي من الكنوز مثل ما تحتويه ثقافتنا. ولكننا جهلنا ثقافتنا، بل نحن تعلمنا الانتقاص من قيمتها، وكفننا عن العيش على أساليبها. وليست الثقافة للتعلم فقط وإنما هي للعمل. فإذا قصرنا أنفسنا على العلم دون العمل صارت بمثابة الجسم المحنط، قد يبدو حسنا ولكنه لا يبعث الحياة أو العزة. وإن لي دينا يمنعني من استصغار شأن أية ثقافة أجنبية، ولكن هذا الدين نفسه يحتم علي أن أشبع نفسي بثقافة الهند وأن أعيش على أساليبها وإلا كان جزاء إهمالها الانتحار المدني.
الفصل الرابع والعشرون
مذهب السيف
في هذا العصر، عصر القوة الغشوم، يكاد يكون من المحال أن نؤمن بأن هناك من يجحد سيادة القوة. ولهذا السبب ترد إلي خطابات غير موقعة ينصح لي فيها كاتبوها ألا أعوق التقدم في حركة العصيان المدني ولو فشا في الحركة العنف والبطش. ثم يفد علي آخرون، وهم يحسبون أني أضمر في نفسي العنف، فيسألونني متى تأتي الساعة لإعلان القتال الصريح وحمل السلاح، ثم يؤكدون لي أن الإنجليز لن يخضعوا لا للعنف المضمر أو الظاهر. وهناك آخرون يعدونني أسفل إنسان في الهند لأني لا أصرح بنيتي، مع أنهم ليس عندهم ظل من الشك بأني أؤمن مثل سائر الناس بالعنف.
ولما كانت هذه الحال تدلني على تمسك الناس بمذهب السيف، ولما كان نجاح العصيان المدني يتوقف على انتفاء العنف، ثم لما كانت آرائي في هذا الموضوع تؤثر في سلوك عدد كبير من الأمة، أراني محتاجا إلى أن أنير الموضوع بقدر استطاعتي.
إني أومن بأنه إن كان هناك خيار بين الجبن والعنف، فإني عندئذ أنصح بالعنف. وقد حدث أن سألني ابني الأكبر ماذا يجب عليه أن يفعل لو أنه كان حاضرا يوم هوجمت سنة 1908، وهل كان عليه أن يتركني وهو يراني أكاد أكون مقتولا، أو كان يجب عليه أن يقف ويستعمل قوة جسمه للدفاع عني؟ فأجبته على هذا السؤال بأن واجبه عندئذ يقضي عليه بالدفاع والالتجاء إلى العنف.
وعلى هذا المبدأ اشتركت أنا في حرب البوير وفي فتنة الزولو وفي الحرب الكبرى. وعلى هذا المبدأ أيضا أدعو إلى التدريب الحربي لأولئك الذين يؤمنون بوسائل العنف. وعندي أن أرى الهند وقد عمدت إلى السلاح، تحمله وتتأهب به للذود عن شرفها، أحب إلي من أن تقف وهي ترى انتهاك حرماتها وجرح كرامتها وهي صامتة.
ولكني أعتقد أن المقاومة السلبية خير من العنف، لأن الغفران يزين الجندي ولا يشينه. على أن الإحجام عن القتال لا يعد غفرانا إلا حين تكون القدرة على إنزال العقاب. وليس الغفران معنى إذا هو نبع من العجز والخوف، فإن الفأر لا يغفر للقط تمزيقه لجسمه. ولذلك فإني مقدر للعواطف التي تبعث الآن بعض الهنود إلى المطالبة بمعاقبة الجنرال داير، وأمثاله، فإنهم يودون لو يمزقونه إذا استطاعوا، ولكني لا أعتقد أن الهند عاجزة قد وقفت موقف الجزع لهذا العجز. ولست أعد نفسي عاجزا وإنما أريد أن أستغل قوة الهند وقوتي لغاية سامية.
فأرجو ألا يسيء أحد فهم ما أقول. فإن القوة لا تصدر عن قوة الجسم وإنما هي ثمرة الإرادة الصادقة. فإن الرجل من قبائل الزولو يتفوق على الإنجليزي في قوته الجسمية، ولكنه يفر عندما يرى صبيا إنجليزيا، لأنه يخشى أن يكون مع هذا الصبي مسدس أو أن يكون هذا المسدس مع المنتقمين لهذا الصبي منه، فهو يخشى الموت على الرغم من قوة جسمه وضخامته.
Shafi da ba'a sani ba