قال: لما ودعتها في ذلك اليوم قالت لي: إذا أنا مت وبقي عبد الرحمن حيا فحيه وقل له إن سلمى آثرت الموت في سبيل حبك على البقاء بعدك، وإذا بقيت أنت حيا فإن عظامها تتهلل في أعماق القبر.
فصاح عبد الرحمن: أتموت هي في سبيل حبي وأراهم يحفرون قبرها ثم أهرب؟!
قال عامر : لقد ذكرت سلمى أن بقاءك حيا بعدها يفرح قلبها وهي في القبر، فهيا بنا إلى الشيخ الناسك نستشيره، فإنه والله ذو فضل علينا، ولولاه ما وفقت إلى إنقاذك، وإني لا أشك في أنه من الصالحين.
وسار عامر وعبد الرحمن في أطراف الغوطة بحيث لا يشعر بهما أحد حتى اقتربا من الجوزة، فرأيا الناسك راقدا فوق قبر حجر، وقبل وصولهما نبح الكلب فجلس الناسك وتطلع فلما رآهما قادمين أرخى شعره على وجهه ونادى عبد الرحمن فلباه وهو يبكي ويقول: ما بالك لا تسألنا عن سلمى؟
فوقف الناسك وصاح: ماذا صنعوا بها؟ لا، لم يقتلوها.
فقال عبد الرحمن: صدقت، إنهم لم يقتلوها بالسيف، ولكنهم قتلوها بالعسل.
فأطرق الناسك ويده على لحيته وهو ينتفض ويرتعد وقال: من أخبركم بذلك؟ فقص عليه عامر كل ما علماه.
فقال: إن الله لا ينصر القوم الظالمين.
فقال عبد الرحمن: أرشدنا يا شيخنا. إننا لا نرى سبيلا إلى الحياة بغير الانتقام. آه ما أحلى الانتقام.
فبهت الشيخ هنيهة ثم قعد وهو يقول: اخرجا من هذه البلاد، لم يبق لكما فيها مأرب.
Shafi da ba'a sani ba