فأطاعتها وأتتها بثوب من الحرير الناعم، يجلله جلباب طويل وردي اللون، فاحتالت في تبديل ثيابها من غير أن تشعر العجوز بخنجرها، ثم عكفت العجوز على تسريح شعرها وتزيينها، فأصبحت سلمى بعد ذلك أشبه بالملائكة منها بالآدميين، حتى أن العجوز عشقتها وعلق قلبها بها.
أما سلمى فقد كانت في أثناء ذلك غارقة في بحار الهواجس لا تدري ما تصنع؛ لكثرة ما يتجاذبها من المشاغل، وأهمها أمر عبد الرحمن وهل هو مسجون أم قتل أم أطلق، ورأت في الحجرة نافذة بجانبها مقعد مبني من الرخام كالدكة تكسوه وسادة كبيرة، فجلست على الوسادة وأطلت من النافذة فأشرفت على خلاء ضيق وراءه جدار عظيم يدل على فخامة ذلك البناء، وسمعت جلبة تشبه التكبير فعلمت أنها بقرب الجامع، فعمدت إلى مخاطبة العجوز لعلها تستطرق في حديثها خبر خطيبها فقالت لها: ما هذا البناء يا خالة؟
قالت: هذا هو الجامع يا سيدتي.
قالت: وهل بناه أمير المؤمنين أم أبوه؟
قالت: كلا يا حبيبتي فإنه من بناء الروم مثل هذا القصر.
قالت: وهل كان عند الروم جوامع؟
قالت: كلا، ولكنه كان كنيسة باسم سيدنا يحيى، يصلي فيها النصارى، وكان هذا القصر الذي نحن فيه لرجال الحكومة من الروم، فلما فتح المسلمون الشام اتخذوه دارا للإمارة، واقتسموا الكنيسة بينهم وبين النصارى فجعلوا نصفها جامعا والنصف الآخر كنيسة.
قالت: وهل بين هذه الدار والجامع اتصال؟
قالت: نعم إن بينهما ممرا يمضي فيه الخليفة كل صباح للصلاة ويعود منه، وقد ذهب في هذا الصباح ولم يعد بعد.
وبينما هي تخاطبها إذ سمعت الضوضاء تتزايد في الجامع فقالت سلمى: وما سبب هذه الضوضاء؟
Shafi da ba'a sani ba