فوقع هذا النبأ في أذن عامر وقوع السهم في قلبه، وتلعثم لسانه وظهرت الحيرة على محياه فظل ساكتا، فلم يخطر ببال ابن زياد أن عامرا يتردد في الجواب، ولكنه حسبه فوجئ بنعمة لم يكن يتوقعها، فأعاد عبارته ونمقها وقال: ولو لم يسبقني أمير المؤمنين إلى ذلك لكنت أحسبني سعيدا بمصاهرتك، ولكن أمره فرض، فأهنئك بهذه النعمة التي يغبطك عليها كثيرون.
فلم يزدد عامر بذلك الإيضاح إلا ارتباكا، وحدثته نفسه أن يعتذر بخطبة سلمى لشاب آخر، ولكنه خاف أن يسأله عن اسم الخطيب وهو لا يقدر على التصريح باسمه ولا أن ينتحل اسم أحد سواه؛ لأنه لا يعرف أحدا يسلم إليه سره في تلك الديار، فلم يستطع غير التظاهر بالقبول وإسداء الشكر ريثما يدبر حيلة للفرار، فقال وهو يحاول الابتسام: إني أعد نفسي أسعد الناس بهذه النعمة؛ لأن التقرب من أمير المؤمنين شرف وسعادة، وما ابنتي إلا جارية من جواريه، ولكني أرغب إلى مولاي أن يمهلنا يوما أو يومين حتى نتأهب لحمل الفتاة إلى دار الخليفة؛ لأنها ستتلقى الخبر بالدهشة؛ لبعد هذه النعمة عن خاطرها، ولا سيما أنها أصبحت اليوم مريضة.
فقال ابن زياد: لا أظن الخليفة إلا راضيا بما ترتاح إليه العروس، وإذا تعجل الأمر فإنما يكون ذلك رغبة في استقدامها إليه ليرسل إليها من يكون في خدمتها حتى تصل إلى داره في أمن وراحة.
وسكت عامر، فحمل ابن زياد سكوته على الرضا، ثم نهض فنهض الرئيس وعامر، فودعهما وخرج. •••
أسرع عامر إلى سلمى ليرى رأيها في هذا الأمر الجديد، وكان صبرها قد نفد في انتظاره، فلما أطل عليها وشاهدت البغتة على وجهه أوجست خيفة وابتدرته بالسؤال فقال لها: هلم بنا نهرب، فإني لا أرى فرجا إلا بالفرار من هنا.
قالت: ما الذي حدث؟
قال: إننا وقعنا في مشكلة أعظم مما كنا نخافه.
قالت: وما ذلك؟
فقص عليها حديث ابن زياد كما وقع، وكان يتكلم وهو يتوقع إجفالها فإذا هي قد أبرقت أسرتها وأشرق وجهها وزال غضبها ولم تجب.
فقال: ما رأيك يا سلمى؟ ألا ترين أن نسرع في الفرار.
Shafi da ba'a sani ba