فأمروا بالأبسطة ففرشت في مكان معد لذلك، وجاءوا بأصناف الأشربة الحلوة بألوانها الزاهية وقدموا ليزيد ورجاله فشربوا، ثم أمر الرهبان بإحضار الطعام فحملوه إلى هناك وكانت النساء تهيئه وتساعد الخدم في إحضاره.
فلما رتبت المائدة وصفت الآنية والأطباق، نزع يزيد كوفيته وغسل يديه وتصدر المائدة جالسا على وسادة من الحرير المزركش، وجلس أمراؤه بين يديه، وأخذوا جميعا في تناول الطعام.
وفيما هم في ذلك، التفت يزيد إلى الراهبات الواقفات للخدمة، فوقع بصره على الأخت مريم فبهره جمالها، وتذكر سلمى وكان يعلم أنها ماتت منذ عامين أو أكثر فقال في نفسه: يا للعجب! كم يتشابه الآدميون.
وقضى مدة الطعام وهو يردد بصره فيها ولم يتمالك عن الميل إليها والإعجاب بأمرها لشدة شبهها بسلمى.
وكانت سلمى تتجاهل وتتظاهر بتقديم الأطعمة والأشربة وهي مطمئنة البال إلى أن يزيد لا يمكن أن يعرفها بعد أن بلغه موتها من طبيبه، وبعد أن بدلت اسمها وثيابها وسائر أحوالها.
أما يزيد فكتم شغفه بها ريثما يحتال في استقدامها إليه، فأخذ يلاطف الرئيس ويثني على ما لاقاه من كرمه وحسن وفادته ويعده خيرا، فلما نهضوا عن المائدة دعاه إلى خيمته وبالغ في إكرامه حتى غربت الشمس ودق ناقوس الصلاة، فاستأذن الرئيس في الانصراف فأذن له، ثم أسر إلى بعض أهل بطانته ما أضمر من أمر الأخت مريم وكلفه استقدامها بحيلة، فخرج الرجل إلى الرئيس وقال له: لقد تعود الخليفة أن يتناول المرطبات قبل النوم.
فقال الرئيس: إننا أعددنا كل ما ترتاح إليه نفسه، ونحن طوع إشارته.
قال: ولكنني لا أظنكم تستطيعون القيام بكل ما يحتاج إليه.
قال الرئيس: وكيف ذلك ونحن لا ندخر وسعا في سبيل مرضاته؟
قال: إن مولانا أمير المؤمنين تعود أن تصلح له الطعام فتاة جئنا بها معنا من دمشق، ولكنها مرضت في أثناء الطريق فأرجعناها، وقد قضينا طول الرحلة والخليفة لا يكاد يلتذ بالطعام، ولكنه لما تناول العشاء عندكم، أعجبه حسن طهيه، ورأى بين الخادمات فتاة أعجبته لباقتها في إعداد المائدة، وتمنى لو أنها تصحبه بقية سفره إلى حوران.
Shafi da ba'a sani ba