الفصل الخامس عشر
مسلم بن عقيل
قالت طوعة لسلمى: إن مسلم بن عقيل نزل في دار المختار بن عبيد وأمير الكوفة يومئذ النعمان بن بشير، وهو رجل ضعيف، فجعل مسلم يدعو الناس إلى بيعة الحسين، ولو أنه جاء الكوفة لبايعه كل أهلها، فلما رأى الأمويون ذلك بعثوا إلى يزيد في دمشق فولى عليهم عبيد الله بن زياد، وهو داهية مثل أبيه.
فتنهدت سلمى وقالت: كيف لا أعرفه وهو الذي قتل أبي؟!
قالت طوعة: فلما جاء ابن زياد الكوفة دخلها وحده فلم يشك الناس أنه الحسين، ثم ما لبثوا أن عرفوه، فدخل دار الإمارة وخطب في الناس وحرضهم على مقاومة شيعة الحسين، ولكي يتم له ذلك مع قلة أشياعه بعث إلى العرفاء (مشايخ الحارات) فجمعهم وأمرهم أن يكتبوا إليه أسماء من في مناطقهم من شيعة الحسين، وشدد في ذلك حتى هددهم بالصلب والقتل، فلما سمع مسلم بما نواه ابن زياد خرج من دار المختار ونزل في بيت هانئ بن عروة المرادي، وهو رجل ذو وجاهة.
فقطعت سلمى كلاما وقالت: إني أعرفه.
فقالت طوعة: فلما جاء مسلم إلى هانئ، خاف هذا أن يقبله في داره؛ لما سمع من تشديد ابن زياد في طلبه، فقال له مسلم: أتيتك لتجيرني وتضيفني، فلم يعد هانئ يستطيع رده فقبله. فصارت الشيعة تختلف إليه في دار هانئ، وبلغ ذلك ابن زياد من بعض الجواسيس، فأراد أن يحتال في الدخول على هانئ ليتحقق الأمر، وحدث أن مرض هانئ بن عروة فبعث ابن زياد إليه أنه قادم لعيادته، فقال بعض الحضور من الشيعة: الطاغية قادم إليكم فاقتلوه وأنقذوا المسلمين من شره.
فبهتت سلمى عند ذلك وصارت تتوقع أن يقتلوه؛ لأنها فرصة ثمينة لو اغتنموها، ولكنهم أضاعوها فضاعت بضياعها كل مساعيهم، وكم من غلطة صغيرة أدت إلى خراب كبير!
فاستطردت طوعة كلامها وقالت: فلما اقترح الرجل قتل ابن زياد، اعترض هانئ بأنه لا يريد أن يقتل أمير الكوفة في داره، فجاء ابن زياد فعاده وخرج سالما.
فصاحت سلمى: يا للخسارة! ويا للضعف! لله ما أضعفهم!
Shafi da ba'a sani ba