يمضي الغناء ويبقى السمع نشوانا
وبعد قليل رحت ألاعب القاموس الضخم ل «وبستر»، وفي آخره مجموعة الأمثال العالمية، فوقعت في اللغة اللاتينية على نفس القول منسوبا لشاعر عاش في سنة 1200 قبل المسيح.
كنت في نحو السادسة من العمر؛ إذ توجهت برفقة أبي إلى زيارة قرية لبنانية، ولسبب ما - أظنه كان سياسيا - ثار اضطراب، وتجمهر أهل القرية، وكاد يحصل ما اصطلح الناس أن يسموه ما لا تحمد عقباه. وفي ذروة الصياح سمعنا من يصرخ أن رجلا فوق الخمسين اسمه مجيد طلع إلى سطح البيت وبارودته في يده؛ فساد الذعر، واشتد الهياج، ولكن شيخا من الحاضرين ضحك، وقال: «مجيد طلع على السطح؟ مجيد وفي يده بارودة؟ مجيد في شبابو ما قوس!» لا أعلم فيما قرأت وسمعت تحقيرا مضمنا أفصح من هذا التحقير:
النبت الصالح ينمو بالعناية، أما الشوك فينمو بالإهمال.
هذه عبارة هزتني حين وخزتني شوكة في أرض مهملة تحت «عالية»، ونحن في طريقنا إلى سيران في بستان تفاح دعانا إليه صديق في الصيف الماضي.
رجعت إلى بلادي بعد غياب في «الفلبين» استمر نحوا من ثلاثة وعشرين سنة. كتبت الكثير عن عودتي، ولكن الهزة الكبرى أطلقها الشاعر إيليا أبو ماضي حين عاد منذ ثلاث سنوات فأنشدني:
وطن النجوم أنا هنا
حدق أتذكر من أنا؟
كان لي صديق بولوني في الفلبين، وقد اجتيحت بلاده سنة 1939، ونحن في الشرق الأقصى من 1939 إلى 1941 ما طالتنا الحرب بعد، وكنا في رخاء وحرية وازدهار أعمال. أما صديقي فكان أبدا كئيبا، لم أفهم سر حزنه إلا حين قرأت بعد عشر سنوات:
إن لم تكونوا أحرارا من أمة حرة، فحريات الأمم عار عليكم.
Shafi da ba'a sani ba